تمر السينما المصرية بمرحلة هبوط اضطراري.. لأن مؤسسات الدولة الرسمية قد نفضت يدها من محاولة إنقاذ الفن السابع أو حتي التحمس له، ما أدي إلي فقر الإنتاج السينمائي وتراجعه، بينما يشهد هذا الفن ازدهاراً كبيراً في الشرق الأوسط، ويكفي أن نعرف أن ميزانية مهرجان أبوظبي تصل إلي 40 مليون دولار، بينما ميزانية مهرجان عريق مثل «مهرجان القاهرة السينمائي»، تبلغ مليون دولار فقط، لدرجة أنه يخرج دائما بصورة هزيلة، تفتقر إلي النجوم العالميين والعروض الأولي. كل ذلك لأننا نرفع دائما شعار «ضعف الامكانات» وهو شعار واهٍ ليست له أية مصداقية، بدليل أن وزارة الثقافة أنفقت 3 ملايين دولار لإنتاج فيلم واحد، هو فيلم «المسافر»، ولم يحقق أي صدي، كما أن وزارة الإعلام ممثلة في «قطاع الإنتاج» تنفق ملايين الدولارات لتقديم ثلاثة مسلسلات أو أكثر، بل يدفعون باليورو لتذليل عقبات الإنتاج، وحشد أكبر عدد من العروض الحصرية، ما يؤكد أن شعار «ضعف الامكانات» صار سخيفا، وغير مقبول، فالإمكانات متاحة سواء في تبني الدولة للفن أو في حضور رجال الأعمال. أما بالنسبة للمهرجانات السينمائية الخليجية، فإنها نجحت إداريا في توظيف الأموال، وجعلها وسيلة لخدمة الثقافة، وزرع الفن السينمائي في أرض الواقع بشكل صحيح. علي الدولة ومؤسساتها الثقافية والإعلامية أن تعي الدور الذي تقوم به السينما في تشكيل الوعي العربي، فلابد من تدخل جدي لمؤسسات الدولة لإنقاذ «مهرجان القاهرة السينمائي» من السقوط، ودعم فعالياته، وتبني عملية الإنتاج بشكل مكثف، بعد أن صارت الأفلام الجديدة كل عام محدودة العدد، بينما السينما الهندية تنتج أكثر من 1000 فيلم في العام الواحد، وتدعمها الدولة الهندية بنحو 500 ألف دولار، أما نحن فلا نجيد إلا «لطم الخدود»، و«شق الجيوب»، «والبكاء علي اللبن المسكوب»، بعد كل مهرجان، بل ونعلن أننا نحاول حفظ ماء الوجه بما لدينا من دعم قليل، مع أننا في واقع الأمر نمتلك الامكانات ما يسهم في إنجاح أي مهرجان. في «مهرجان أبوظبي» لم يفز من مصر في المسابقة إلا فيلم «جلد حي» وهو فيلم وثائقي للمخرج الواعد فوزي صالح، الذي لم تتحمس له إلا شركة إنتاج «محمود حميدة». وسافر محمود حميدة مع فريق العمل بالفيلم إلي المهرجان، ولم يبخل بأي دعم مادي ومعنوي ليخرج العمل بالصورة التي أبهرت الجميع، إذ يسرد الفيلم قصة 2000 طفل يعملون خلف سور مجري العيون، في دباغة الجلود، وما يحيط بهم من مخاطر ومآس وظروف معيشية صعبة، هذا الفيلم نموذج لتجربة فنية ناجحة، تتوافر فيها جميع المقومات اللازمة للنجاح، إ وعلي الرغم من هذه الأجواء القاتمة التي فرضت نفسها علي مستقبل السينما المصرية، فإن هناك بوادر أمل، تشرق دائما ولا تغيب. ففيلم «رسائل البحر» حظي بنسبة مشاهدة كبيرة، ولقي نجومه بسمة وآسر ياسين ومحمد لطفي حفاوة وتقديرا كبيرين، سواء من الجمهور أو النقاد، إضافة إلي المخرج داود عبدالسيد، ولولا توجهات المهرجان السياسية وحرصه علي دعم القضية الفلسطينية لفاز «رسائل البحر» بجائزة أفضل فيلم، لأنه يفوق الفيلم اللبناني «شتي يا دنيا» في جماليات الصورة، وروح وشاعرية الحوار، وكذلك الإيقاع السينمائي العميق. لكن الملاحظة الجديرة بالاهتمام هي أن مهرجان أبوظبي، وإن كان ينطلق من دولة عربية، إلا أن لجان التحكيم الخاصة به، لا تدور في نفس السياق، بل تضع النموذج الغربي للسينما كإطار تقيس عليه باقي الأعمال، دون النظر إلي خصوصية السينما العربية في التعبير عن نفسها، من خلال أعمال جديرة بالاحترام، حيث تؤكد هويتها ورؤيتها عبر قناعات مخرجها، وهذا ما حاول داود عبدالسيد توصيله للجمهور والنقاد في فيلمه، وظهر بوضوح خلال الندوة التي أدارها «انتشال التميمي» حول الفيلم.