أمس نشرت صحيفة الحياة اللندنية الجزء الأول من الحوار الذي أجراه رئيس تحريرها غسان شربل مع الرئيس السوري بشار الأسد، وفيه الكثير مما يستحق التعليق، لكنني أكتفي بما جاء علي لسان الرئيس الأسد حول العلاقات مع مصر وشكل أهم ما جاء في الحوار المنشور أمس. وقد سأل شربل الأسد هل العلاقة السورية المصرية علي المستوي الرئاسي تعاني حساسية شخصية؟ فرد: بالنسبة إلي، لا. أنا لم أطلب شيئاً من مصر، لا أريد شيئاً من مصر. إذا كنا نختلف سياسياً، فهذا ليس جديداً. وعلي المستوي السياسي، هناك اختلاف كبير في الآراء. بالنسبة إلينا في سوريا ليس مشكلة، ربما يكون لدي بعض المسئولين في مصر مشكلة، ولا أستطيع أن أعطي الإجابة نيابة عنهم (...). ثم سأل شربل الأسد: هل كانت العقدة لبنان، أم المصالحة الفلسطينية أيضاً؟ فأجاب: ولا واحدة، لا نعرف. الغريب أننا في سوريا لا نعرف ما هي المشكلة، لذلك قلت لك أنا لا أريد شيئاً من مصر، وكي تكتمل الصورة لا بد أن تسأل الإخوة فيها ماذا تريدون من سوريا؟ عندها تحصل علي الجواب! هذا الكلام من الرئيس الأسد جانبه الصواب، أو علي الأقل محاولة للتهرب من السؤال بتحميل مصر أسباب توتر العلاقات بين البلدين مدعيا أنه لا يعرف سبب ذلك، نافيا أن تكون المشكلة تكمن في لبنان وفلسطين. والحقيقة أن القاصي والداني يعرف جيدا أن الخلاف السياسي بين القاهرة ودمشق مبني علي أسس موضوعية، قائمة علي أن كل بلد ينتهج مشروعا سياسيا مختلفا عن الآخر، وكان يمكن التحاور والتشاور، وتقريب وجهات النظر بين البلدين، لكن الأمر تخطي هذه المرحلة حينما أصبحت توجهات السياسة السورية تشكل خطرا علي الأمن القومي المصري. وقد يرفض السياسيون الحديث في مثل هذا الأمر علانية، لكننا نستطيع قراءة المشهد السياسي العربي وندرك من خلاله أن مصر والسعودية تقودان توجها عربيا يحظي بدعم من أغلبية الدول العربية يسعي إلي حل مشاكل المنطقة بالطرق السلمية في إطار عربي، وعدم إدخالها في حروب أو مغامرات عسكرية غير محسوبة، بينما تمثل سوريا رأس حربة مشروع إقليمي آخر تتزعمه إيران يهدف إلي زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتحويل قضايا المنطقة إلي أوراق تفاوضية تتحكم فيها إيران في صراعها مع الغرب. ولتنفيذ هذا المخطط تعمل سوريا بجد علي عرقلة ملف المصالحة الفلسطينية، وهي مع إيران، بالضغط السياسي والأموال، تدفعان حماس إلي التخلف عن المصالحة الوطنية الفلسطينية، مما يعني عمليا تفتيت الشعب والأرض والقضية الفلسطينية، وهو ما يؤدي إلي ضياع قضية العرب المركزية، وتشكيل تهديد دائم علي حدود مصر الشرقية. وإذا كان الأسد قال في حديثه إنه لا يريد شيئا من مصر فإننا أيضا لا نريد شيئا شخصيا من سوريا، لكننا نريد منها فقط أن تنحاز إلي الحقوق العربية، وألا تكون أداة يستغلها غير العرب في تعزيز مكانتهم ومشروعاتهم علي حساب الحقوق العربية المشروعة ..التي يعرفها الجميع جيدا.