تمتلك حكومة بنيامين نتانياهو حرية اختيار الصفة التي تريد أن تعرف بها إسرائيل. تستطيع أن تتحدث عن «دولة يهودية» أو دولة علمانية أو اشتراكية أو جمهورية شعبية ديقراطية كما حال الجزائر مثلاً. وتستطيع أن تزيد علي ذلك أنها دولة عظمي. ألم يعلن بوكاسا نفسه في السبعينيات من القرن الماضي امبراطوراً بعدما حول جمهورية أفريقيا الوسطي إلي «امبراطورية»! أن تختار إسرائيل لنفسها صفة ما شيء وأن تطلب الاعتراف بها بناء علي تلك الصفة شيء آخر، خصوصاً متي كانت هناك شكوك في أن الصفة التي يصر بيبي نتانياهو علي الحاقها بدولة إسرائيل وعلي جعلها جزءاً لا يتجزأ من عملية الاعتراف بها، تثير مخاوف جمة لدي الجانب الفلسطيني. لماذا علي الجانب الفلسطيني الاعتراف باسرائيل بصفة كونها «دولة يهودية» في وقت يتحدث وزير الخارجية ليبرمان بوقاحة ليس بعدها وقاحة عن طرد العرب الذين بقوا في أرضهم بعد قيام دولة إسرائيل في العام 1948 إلي الخارج، علما بأن هؤلاء موجودون في تلك الأرض منذ مئات، بل آلاف السنين. لم يعد السؤال هل تريد إسرائيل بالفعل السلام وتسعي إليه بمقدار ما أنه هل تنوي شن عملية تطهير ذات طابع عرقي مستفيدة من حال العجز العربية ومن الشعارات الفارغة التي يطلقها قادة «حماس» أو الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي يريد مقاتلة إسرائيل.. حتي آخر لبناني وفلسطيني؟ لا شيء يجبر منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الوطنية علي الاعتراف بإسرائيل بصفة كونها «دولة يهودية» خصوصاً أنه سبق لاتفاق أوسلو الموقع في مثل هذه الأيام من العام 1993، في حديقة البيت الأبيض أن تضمن اعترافاً متبادلاً بين الجانبين. اعترفت منظمة التحرير بحكومة دولة إسرائيل واعترفت حكومة دولة إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية. مثل هذا الاعتراف أكثر من كاف لوضع هذه القضية علي الرف ومباشرة البحث في المسائل الأساسية من نوع حدود الدولة الفلسطينية «القابلة للحياة» التي يتحدث عنها المجتمع الدولي علي رأسه الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. كانت الخطوة منظمة التحرير الفلسطينية، القاضية بدعوة إسرائيل والولاياتالمتحدة إلي تقديم خريطة لحدود دولة إسرائيل، خطوة في غاية الذكاء، رمي السيد محمود عباس الكرة في الملعب الإسرائيلي. إذا كانت إسرائيل تريد مفاوضات مباشرة، يفترض بها أن تحدد من الآن الهدف من هذه المفاوضات، المستندة إلي خيار الدولتين بدل الغرق في لعبة التفاوض من أجل التفاوض التي لا هدف منها سوي إضاعة الوقت وخلق وقائع جديدة علي الأرض عن طريق توسيع المستوطنات القائمة في الضفة الغربية وفي محيط القدس. حسنًا فعل الرئيس الفلسطيني، الذي هو في الوقت ذاته رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، عندما رفض السقوط في الفخ الذي نصبه له رئيس الوزراء الإسرائيلي. بات علي بيبي نتانياهو أن يعلن صراحة هل يريد السلام أم لا؟ هل يريد أن تكون هناك حدود لإسرائيل.. أم أن المطلوب تكريس الاحتلال لجزء من الضفة الغربية، بما في ذلك القدسالشرقية. في غياب أي وسائل ضغط عربية علي إسرائيل، تبقي المفاوضات اللعبة الوحيدة المتاحة للجانب الفلسطيني، خصوصًا أن الإدارة الأمريكية مصرّة علي ذلك ولا تري أن في إمكانها لعب أي دور بين الجانبين في حال قاطع الفلسطينيون المفاوضات. من يدعو الفلسطينيين إلي الخروج من المفاوضات لا يقدم لهم في الواقع أي بديل باستثناء العزلة الدولية وقطع الجسور مع الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوروبي. كان مهما أن يقدم الفلسطينيون اقتراحا ذا طابع عملي ردا علي ما طرحه نتانياهو. ما فعلوه يدلّ علي أنهم تعلموا شيئًا من تجارب الماضي القريب وأنهم باتوا يدركون أن الخيار الوحيد المطروح أمامهم هو متابعة بناء مؤسسات دولتهم، خصوصًا المؤسسات الأمنية والاقتصادية. لم يعد السؤال ماذا يريد الفلسطينيون. حل مكانه سؤال من نوع آخر هو ماذا يريد الإسرائيلي؟ هل يريد حدودا لدولته أم أنه لا يزال يحلم بدولة تقام علي ما يسميه «أرض إسرائيل الكبري». في النهاية حطم الفلسطينيون حلم «إسرائيل الكبري» بعد سنوات طويلة من النضال قادها زعيمهم التاريخي ياسر عرفات. في مرحلة معينة، خصوصًا بعد العودة إلي أرض فلسطين، ارتكب «أبو عمّار» أخطاء كثيرة بات همّ «أبو مازن» في السنة 2010 البناء علي ما حققه «أبو عمّار» ولكن مع تفادي ارتكاب أخطائه، علي رأسها القرار القاضي بعسكرة الانتفاضة الذي عاد علي الفلسطينيين بالويلات. اتخذ ياسر عرفات ذلك القرار في العام 2000 بعد فشل قمة كامب ديفيد.. لا يزال الفلسطينيون يعانون إلي اليوم من النتائج السيئة التي أدي إليها علي كل صعيد. تبدو الصورة من بعيد قاتمة، لكن اللافت وسط كل ما يدور علي الصعيد الفلسطيني- الإسرائيلي أن الضفة الغربية لم تعد أرضا طاردة لأهلها، بل هناك فلسطينيون يعودون إلي الضفة ويستثمرون فيها.. كذلك زاد تعلق عرب 1948 بأرضهم.. هؤلاء يظهرون يوميا أنهم أبطال حقيقيون لم يعرف العرب قيمتهم يوما، بل تعرضوا لظلم شديد كونهم تمسكوا بالأرض! عاجلا أم آجلا، سيتوجب علي أي حكومة إسرائيلية مواجهة الحقيقة عبر الإجابة عن السؤال الأساسي: ما هي حدود إسرائيل، بغض النظر عما إذا كانت دولة يهودية أو دولة الشيطان؟ هل يتشبث رؤساء الحكومات فيها برفض تسليم الجانب الفلسطيني ولو نسخة عن خريطة توصل الطرفان إلي تفاهم في شأنها كما حصل بين «أبومازن» و«إيهود أولمرت» في تاريخ حديث لم يمر عليه الزمن؟ كاتب لبناني