«بعد أن كنت واحداً من أكبر الصيادين في بحيرة مريوط.. أعمل الآن «زبال».. بهذه الكلمات عبر عم «حسب الله» صاحب الستين عاما عن الحالة التي وصل اليها الصيادون جراء ما تعرضت له البحيرة من ردم وتعديات وصرف صحي وزراعي وصناعي لتتقلص مساحتها الي 14 ألف فدان بعد أن كانت تتعدي 60 ألفاً وكانت تنتج في فترة السبعينيات 17 ألف طن من الاسماك سنوياً تنتج الآن من الفين إلي ثلاثة آلاف طن فقط البحيرة التي تقع في جنوبالإسكندرية راحت تتآكل إلي أن تحولت إلي بركة صغيرة من المياه الملوثة بفعل عوامل عديدة منها التجفيف والردم والتعدي بالبناء أو الصرف الذي تخلفه المصانع الكثيرة المنتشرة علي طول شواطئها مما تسبب في القضاء علي الثروة السمكية وتحولها من بحيرة منتجة لأنواع كثيرة من الأسماك إلي مقبرة عائمةهذه الآثار المدمرة لم تمتد الي الاسماك فقط بل تعدت الي الانبعاثات الخطرة التي تنتج من تبخر المواد الكيميائية المتسربة من المصانع إلي البحيرة لتزكم أنوف كل من يقترب منها وتهدده بالاصابة بالأمراض الخطيرة.. فضلا عن دور هذه المواد في تحول «مريوط» الي مرتع للحشرات والقوارض وتسببها في اصابة الصيادين بالعديد من الأمراض. «حسن حسب الله» تابع بكل حزن وأسي كلامه عن البحيرة التي كانت في يوم من الأيام ظهيرًا مائيا للثغر قائلا: كنا ننزل إلي مريوط ونصطاد الحنشان وهو أحد أنواع الأسماك التي تشتهر بها إلا أننا اصبحنا الآن بلا مصدر رزق بعد أن جفت البحيرة مما اضطرني إلي البحث عن مهنة أخري أنفق من دخلها علي زوجتي وابنائي الأربعة ولم أجد سوي جمع القمامة وبيعها بعد تدويرها حتي أوفر لأسرتي الطعام والشراب. أما عبدالسلام أحمد الذي قضي نصف عمره في العمل بمريوط فقال إنه كان يصطاد بمنطقتي حوض عزام والعبيد ويعود الي الشاطئ بأكثر من 60 كيلو جراماً من الأسماك أما الان فتخرج الشباك بكيلو واحد من السمك النافق بسبب قيام المصانع بصرف مخلفاتها فيها بخلاف الصرف الصحي. وأوضح أن مريوط اصبحت مقسمة الي عدة أجزاء منها حوض أبو عزام والبحيرة الغربية وحوض العلاليم والحوض البحري الذي تحول إلي بركة ملوثة تطفو فيها المياه علي سطح المياه مشيراً إلي أن عمليات الردم ادت الي تقلص البحيرة التي كانت حدودها تبدأ من مطار النزهة. وأكمل السيد سليمان «صياد» قائلا : حال الصيادين اصبح لا يسر عدواً ولا حبيباً فبعد ان كان الصيد من افضل المهن من حيث الدخل تحولت الي مهنة يهرب منها الجميع لانها لا تدر أي دخل فضلا عن مشقتها الكبيرة خاصة وان الصيادين يخرجون منذ شروق الشمس ولا يرجعون الا بعد غروبها بدون أية اسماك بعد ان بات صيدها شيئاً مستحيلا. اضاف " سليمان" ان الشركات والمصانع الموجودة علي شاطئ البحيرة تقوم بسحب المياه لغسل الماكينات والمعدات بها ثم يلقونها مره اخري في البحيرة بعد اختلاطها بالزيوت والسولار لتخرج الاسماك مشبعة برائحة "الجاز" والتي لا تجدي معها عمليات الغسيل وبالتالي يصبح صيده بلا فائدة . ويشير غريب محمد "تاجر اسماك في حلقة القباري" إلي أن هذا التلوث دفع الصيادين الي استخدام وسائل ممنوعة في الصيد مثل "الضبشة" أو "الشبك الضيق" للحصول علي كميات اكبر من اعماق شديدة حتي إن موظفي الثروة السمكية يتغاضون عن مخالفاتهم لأنهم يعلمون أن البحيرة خالية من الأسماك. ولفت "غريب" إلي أنه كثيرا ما يشاهد أسماك الزريعة الصغيرة ميتة وعائمة علي سطح المياه بفعل المخلفات التي تلقيها المصانع مما يضطر الصيادين إلي انتشالها وتجفيفها وبيعها كاعلاف للطيور موضحاً أن قلة الاسماك تسببت في ركود حركة البيع بالحلقة حيث أصبحت تفتح أبوابها ساعتين فقط يومياً بعد أن كانت تعمل علي مدار اليوم. ويقول جابر علي «أحد الصيادين» أنه لا يستطيع الخروج من البحيرة ليصطاد في البحر المتوسط لأن الصيادين العاملين بالبحر لديهم بلانصات وشبك غزل كبير اما صيادو مريوط فيعتمدون علي الفالوكه الصغيرة التي لا تتحمل الامواج المرتفعة والرياح الشديدة. ويروي "محمد العيسوي" تاريخ الملوثات الصناعية داخل البحيرة قائلا انها بدأت منذ اكثر من 40 عاما بعد ان قام الطيران الاسرائيلي بقذف المصانع الكبيرة الموجودة في مدن القناة خلال حرب الاستنزاف مما اضطر المسئولين الي نقل هذه المصانع الي غرب الإسكندرية لتكون بعيده عن النيران ومنذ ذلك الوقت تعذر الصيد في أحواض مريوط خاصة بعد أن تم تجفيف أجزاء كبيرة منها، وعرفت مياه الصرف الصحي طريقها إليها. ويوضح أمين إبراهيم «صياد» أن البحيرة مهددة بالفناء بسبب الحالة السيئة التي وصلت إليها، وما تعانيه من مشكلات بيئية خطيرة تهدِّد استمرارها منها «الخوص» و«ورد النيل» الذي انتشر بمياهها واصبح يعرقل حركة المراكب الصغيرة بها بالاضافة الي الشحوم والزيوت الناتجة من المصانع والقمامة ومخلَفات الهدم والبناء التي تلقي بها وتعجز عن ابتلاعها. وطالب «ابراهيم» المسئولين بضرورة التدخل لازالة جميع المخلفات الواقعة علي البحيرة حتي تعود إلي سابق عهدها كواحدة من أكبر البحيرات المنتجة للاسماك في العالم ويستعيد معها الصيادون مصدر رزقهم الوحيد خاصة بعد أن امتد شبح البطالة لعدد كبير منهم لم يستطيعوا العمل في مهنة أخري لانهم لا يعرفون غير الصيد. ويؤكد خالد صديق «صياد» أن هناك عددا من رجال الأعمال قاموا بالاستيلاء علي أراضي البحيرة وردمها لاقامة مشروعات عقارية جنوا من ورائها ملايين الجنيهات وتركوا الصيادين عاجزين عن الحصول علي "لقمة العيش". واتهم الصيادون وزارة البيئة بالتباطؤ في تطبيق القانون علي المخالفين مطالبين بتحليل عينات من المياه والاسماك للتعرف علي المخاطر التي تداهم البحيرة خاصة بعد انتشار مادة الرصاص فيها. وكان المجلس المحلي للمحافظة قد طالب خلال دورته الماضية برئاسة الدكتور طارق القيعي مسئولي شركة جوجل في مصر بتوضيح أسباب ظهور المساحات التي تم التعدي عليها في البحيرة من قبل تجار الأخشاب بصورة سوداء علي الموقع. وأكدت تقارير المجلس ان قيمة الأراضي التي حصل عليها رجال الأعمال داخل البحيرة عن طريق الردم وصلت الي 3 مليارات جنيه. في الوقت الذي تقوم فيه مافيا الأراضي بالإستيلاء علي مساحات شاسعة محصنة كميات كبيرة من الاسلحة لارهاب كل من يقترب منها. وكشف تقرير للجنة التنمية الزراعية و الري بالمجلس قيام شركة للخرسانة الجاهزة بردم 20 ألف متر رغم تخصيص 4 الآف متر لها فقط. من جانبه أكد الدكتور عبد العزيز نور استاذ تغذية الأسماك بكلية الزراعة جامعة الإسكندرية أن البحيرة تواجه خطر الاندثار خاصة في ظل زيادة التعديات بالردم عليها فضلا عن الملوثات الخطيرة التي تصرف من المصانع والزراعات في مياهها وتتضمن مواد صلبة وبقايا مبيدات وأسمدة تتسبب في نفوق الاسماك وحملها للمواد الكيميائية الضاره ونقلها للإنسان عند أكلها بجانب اضرارها علي الصيادين الذين اصيبوا بأخطر الأمراض بسبب اختلاطهم الدائم بالمياه الملوثة. وقال "نور" إن "مريوط" بدأت في الانهيار منذ 20 عاماً بعد أن تقرر تحويل خطوط الصرف الصحي اليها ليسوء حالها يوماً بعد يوم وتصبح بحيرة ملوثة بلا أسماك مطالباً بسرعة التحرك لانقاذ البحيرة من الأيادي الخفية التي تسعي وراء إندثارها بأعمال الردم وصرف الملوثات. ويوضح المستشار عبد العزيز الجندي النائب العام الاسبق ورئيس جمعية اصدقاء البيئة بالاسكندرية ان جميع المحاولات الشعبية والتنفيذية فشلت في انقاذ البحيرة من مافيا الردم لتتقلص «مريوط» بنسبة 25 % وتصبح المناطق الصالحة للصيد لا تتعدي 1000 فدان فقط باتت مهددة أيضاً بالتلوث في ظل استمرار مصانع البتروكيماويات والغزل والنسيج في صرف مخلفاتها بالمياه. وأشار "الجندي" إلي أن الجمعية عقدت عدة مؤتمرات واقامت دعاوي قضائية لمواجهة الردم البحيرة وحصلت علي حكم بإزالة التعديات التي أقامها بعض رجال الاعمال لانشاء أحد المصانع إلا أن الحكم لم ينفذ حتي الآن.