حالة من المتعة والاندماج سيطرت علي جمهور مهرجان المسرح التجريبي ليلة افتتاح الدورة ال22 لمهرجان المسرح التجريبي الأحد الماضي وهم يستمعون لكلمة المنتج المسرحي البريطاني "أنطوني فيلد" والتي أعدها خصيصا للمهرجان هذا العام، حيث ألقي رسالته برشاقة واقتضاب ، وزاد أكثر من حالة الإمتاع الفنان محمود ياسين الذي حرص علي قراءة هذه الكلمة باللغة العربية . لم يحرص الجمهور عادة علي الانتباه لسماع رسالة المهرجان كل عام لكن هذه المرة كان الأمر مختلفا تماما ، ويبدو ذلك لأن الكلمة كانت تمس الأزمة الكبري التي تعرض لها "فيلد" مع الرقابة في بريطانيا وشرحه لتاريخ هذه الأزمة خاصة بالأعمال السياسية حيث جاء في نص الكلمة: "إن أي نشاط مسرحي متميز يبدأ كتجربة، وإلا سيتحول الأمر إلي مجرد تكرار لما قيل من قبل ، كما هي الحال في المسلسلات التليفزيونية السطحية وكل التجارب تحمل مخاطر كثيرة ، فالمرء لا يعرف سلفا إذا كانت ستنجح أو سيكون مصيرها الفشل، وهذا ما يدفعنا إلي التجريب ، ففي بعض الأحيان وحتي بعد العرض الأول ، قد لا نعرف إذا كانت التجربة قد نجحت أو فشلت ، لقد وصف النقاد أوبرا مدام بترفلاي لبوتشيني بأنها عمل فاشل ، ومجرد "مجموعة من الأصوات المتنافرة" حين قدمت أول مرة في ميلانو عام 1904 .. ويقول:"الفنانون هم من يتحملون الجزء الأكبر من عبء المخاطرة في هذه التجارب قد لا يخاطرون بأمولهم بل يخاطرون بقناعاتهم ومثلهم العليا ، ويتقاسم المنتجون والمروجون لهذه التجارب والداعمون لها هذه المخاطر مع الفنانين، وكذلك المسئولون الذين يشغلون مناصب حكومية ، والذين يخاطرون سياسيا باستثمار الأموال العامة فيما يبدو للبعض رفاهية خاصة في أزمنة التقشف ، مع أن التجريب في تلك الأزمنة يصبح في الحقيقة ضرورة جوهرية أكثر منه في أي وقت مضي".وعن تجربته الشخصية يقول : "لقد بدأت حياتي منتجا مسرحيا منذ أكثر من خمسين عاما في ذلك الوقت لم يكن المسرح يتلقي إلا مساعدة ضئيلة من الحكومة وكان يعاني من الضرائب الجائرة ، وكذلك من الرقابة ، حتي إن مسرحية صمويل بيكيت "في انتظار جودو" نفسها لم تسلم من مقص الرقيب، فهذا الشخص المبجل كان من حقه أن يشطب بقلمه الأزرق علي الفور، ودون مراجعة أو تردد ، أي شيء يري فيه تجديفا أو ابتذالا أو إخلالا بالآداب العامة أو بالنظام ، ولم يكن حكمه قابلا للاستئناف ، لكن المملكة المتحدة كما تعلمون مكان غريب فكل قاعدة فيه لها استثناءات ولم يكن من حق الرقيب أن يتدخل فيما يقدم في البيوت أو النوادي الخاصة فبيت الرجل الإنجليزي هو قلعته ، كما يقول المثل البريطاني ، وحين أردت تقديم مسرحية آرثر ميللر "مشهد من الجسر" ومسرحية تنسي ويليامز "قطة علي سطح صفيح ساخن" في بريطانيا أول مرة وقعت في مشكلات كثيرة مع الرقابة ، لم يكن الأمر يتعلق ببعض الكلمات التي يمكن حذفها ، بل بالموضوع نفسه ، إذ كانت مجرد الإشارة إليه تدخل في إطار المحظورات في ذلك الوقت ، وفي مواجهة هذا التعنت اتخذنا خطوة تجريبية وحولنا مسرح "الكوميدي ثييتر"، الذي يقع في قلب الوست إند "الحي الغربي" وهو حي المسارح في لندن ، إلي نادي مسرح هربا من الرقيب وحقق المشروع نجاحا كبيرا مما أدي في النهاية في عام 1969 إلي شطب الرقيب نفسه وإلغاء وظيفته التي استمرت مائتي سنة". ويضيف:" كذلك تغيرت حياتي بوصفي منتجا مسرحيا فشركتي تقدم الآن عشرة عروض مسرحية متزامنة علي مسارح الوست إند في لندن، وبرودواي في نيويورك، ومع أننا مستمرون في المخاطرة ونجازف يوميا فإن بقاءنا واستمرارنا نحن الفنانين يحتم علينا أن نتعلم من المخاطر التي نخوضها وهذا ما يجعل التجريب وتأمل تجارب الآخرين جزءا من أسلوب حياتنا المهنية ولكن وجود مهرجان مكرس للتجريب يظل ظاهرة نادرة تستوجب الترحيب".