لم تمض أسابيع معدودة علي استئناف المفاوضات المباشرة بين السلطة الوطنية وبين إسرائيل إلا وتعثرت بسبب استئناف عمليات وبرامج الاستيطان في الأراضي المحتلة، إسرائيل بهذا الموقف المتعنت وضعت الأطراف الأخري المشجعة للمفاوضات في مأزق خطر يهدد مصداقية أية محاولات لحل المشكلة حلا سلميا عن طريق المفاوضات. تكمن المشكلة في عدم رغبة الحكومة الاسرائيلية في اعادة الأرض المحتلة إلي الفلسطينيين، ولسان حال المتطرفين في إسرائيل يقول لماذا نعيدها لهم ما داموا عاجزين عن استردادها، وليس لديهم ما يساومون عليه؟ ربما يكون هذا الطرح بسيطا أو ربما يعتبره البعض الآخر ساذجا، لكنه هو للأسف الواقع المؤلم الذي نعايشه هذه الأيام، ليصبح السؤال كيف ندخل في مفاوضات لا نملك فيها أوراقا للضغط والمساومة والمقايضة وما إلي ذلك من مصطلحات سياسية. لست أدري بعد كل هذه المماطلة والملاوعة الإسرائيلية للفلسطينيين وللاتحاد الأوروبي وللولايات المتحدة ذاتها، من أين أتت بكل تلك الثقة والقوة بأن أصحاب الأرض سيقبلون بمنطق التفاوض إلي ما لانهاية، وإذا كانوا يقبلون بمنطق التفاوض فعلي أي شيء يتفاوضون، علي أي موضوع يتفاوضون، وهل نحن في وسط مسرحية عبثية يتحدث فيها أطرافها عن موضوعات مختلفة تحت عنوان واحد؟ الأحداث المتواترة تقول ان الفلسطينيين قبلوا التفاوض من أجل اقامة الدولة الفلسطينية، لكن ليس لدينا ما يشير إلي أن إسرائيل تتفاوض من أجل اقامة الدولة الفلسطينية، التفاوض حول الدولة المقترحة يقتضي أن يكون هناك تصور محدد يتبناه كل طرف، ثم يتفاوضان لفض الاشتباك بين التصورات والتقديرات. ما نعرفه هو رغبة الفلسطينيين مدعومين بالموقف العربي والدولي في إقامة دولة فلسطينية في الأرض المحتلة في حرب يونيو 67 وتشمل الضفة الغربية لنهر الأردن بما فيها القدس العربية أو الشرقية وقطاع غزة. وهكذا كانت التفاهمات بناء علي اتفاقية أوسلو وما تلاها من تفاهمات أدت إلي قيام السلطة الفلسطينية داخل الأراضي المحتلة في صيغة حكم ذاتي بعده تتولي المفاوضات حل المشكلات العالقة في طريق قيام الدولة الفلسطينية. ما عرفناه فيما بعد أن الحكومة الاسرائيلية تنصلت من تلك التفاهمات، وتمددت في الاستيطان بالأراضي المحتلة التي هي وعاء الدولة الفلسطينية، فعلي أي شيء تتفاوض الآن؟ حين بدأت الجولة الأخيرة من المفاوضات لاحظنا إصرارا أمريكيا علي استئناف المفاوضات، وتوالت الضغوط علي السلطة الوطنية لتقبل الدخول في المفاوضات المباشرة دون حسم موضوع التمدد الاستيطاني في الأرض المحتلة، توقع المراقبون المتفائلون أن الإصرار الأمريكي لا بد وأنه يخفي شيئا من التفاهمات غير المعلنة توصل إليها المبعوث الأمريكي السيناتور ميتشل، وأن الظروف الداخلية في إسرائيل تتطلب التريث في اعلان المواقف لحين الوصول إلي وضع تفاوضي يسمح بالتعامل عليه مع أحزاب الائتلاف في إسرائيل، لكن يبدو أن شيئا من هذا القبيل لم يحدث وأن المناورة الإسرائيلية لإضاعة الوقت طالت الولاياتالمتحدة ذاتها . السؤال المحير الذي يبدو غبيا للغاية هو لماذا تقبل السلطة الوطنية الاستمرار في مشاركة إسرائيل مناورة اضاعة الوقت، هل لا يزال لديها أمل، أمل في ماذا؟ أن يصحو نتانياهو من نومه ذات صباح ليقص علي وزرائه أن هاتفا زاره في المنام طلب منه أن يوافق علي إقامة الدولة الفلسطينية، ومن ثم فانه يطلب الاذن بأن يأخذ المطالب الدولية مأخذ الجد ويوقف الاستيطان في الأرض المحتلة مادامت ستعود في النهاية إلي أصحابها. المشكلة أن هذا الهاتف المبارك لن يأتي لنتانياهو في منامه أبدا، إنما المنطقي أن يواجهه في الميدان علي الأرض بأوراق ضغط يملكها المفاوض الفلسطيني تؤكد لنتانياهو بطريقة أو بأخري أن الاحتلال لا يمكن أن يستمر إلي ما لا نهاية دون مقاومة جدية، وأن حالة الهدوء النسبي التي تعم الأراضي المحتلة انما هي حالة انتظار علي أمل أن تحقق الجهود السلمية الغاية المرجوة منها، أما في حالة استمرار الحكومة الإسرائيلية في المماطلة فان الانفجار آت لا محالة، ولن تنفع التهديدات بالانتقام من العمليات التي تستهدف المستوطنين فقد بلغ القمع والاذلال للفلسطينيين مداه بحيث لن تفيد معهم التهديدات.