وسط أجواء " حوار الطرشان " التي تحيط بنا وتحاصرنا ، لابد من شئ من التدقيق والبحث عن مخرج حتي لا يحترق الوطن بين اعادة انتاج الأجواء ال "سبتمبرية" والاستغراق في حوارات بيزنطة التي تسلل عبرها حصان طروادة. والمفارقة التي المسها هي البون الشاسع بين قناعات رجل الشارع العادي المهموم بمفردات يومه ولوغاريتم تشابكاتها، وبين بعض من نخبة صناعتها الضجيج والإثارة، وهي مفارقة جالبة لبعض من طمأنينة مؤقتة لكنها تحتاج الي معالجة علي الجانبين. واعترف بأنني لم اعثر بعد علي توصيف موضوعي ومحقق لمصطلح "النخبة" والذي صار الآن «سداح مداح»، نخبة تصنع بغير اتقان في مصانع بير السلم الإعلامية، وربما كان للفضاء الإلكتروني الوافد الجديد نسبياً دوره في حالة السيولة النخبوية هذه، فالأمر لا يتطلب سوي حساب مجاني علي الشبكة العنكبوتية وجهاز كمبيوتر أو ربما "محل سايبر" أو "مكتب نت كافيه" تنطلق منها قذائفك في وجه الكل، وفي التعريض بمن يحملون جمر الإصلاح والتنوير الملتهب، باسمك الصريح أو باسم مستعار. وتطور الأمر لأن قفزت في وجهنا ما عرف بالمواقع الدينية تحفز المتطرفين وتفسح صفحاتها لهم ولا يهم مدي مصداقية ما يكتبون ولا أمانتهم في العرض المهم أن تتصف بالسخونة والهجوم حتي لو كان اصحابها من انصاف المتعلمين رغم شهاداتهم الجامعية وربما أعلي، وهي مواقع لا نعرف هويتها أو من يقف وراءها، ولكن الدخان حول نيرانها يحمل رائحة تقول الكثير. بعض من هذه النخبة تصادفك في الندوات والمؤتمرات المفتوحة، تجد شخوصها يتحركون بشكل جماعي، متحفز يذكرونك ببلطجية الانتخابات، رغم ياقاتهم البيضاء ورطانة كلماتهم "المكلكعة" لكنهم يخرجون علي المتكلم في تتابع ماراثوني ، وعندما يفشلون في التشويش عليه يثيرون الفوضي في المكان، ويضطر منظمو الندوة لإنهائها والاعتذار عن استمرارها. شيء من هذا صادفته مرتين في فترة وجيزة، الأولي عندما شرع التيار العلماني في عرض ما توصل إليه من رؤية موثقة في جدلية مشاريع قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين بمصر. والثانية في الندوة التي عقدت بنقابة الصحفيين (لجنة الحريات، بالمشاركة مع جريدة وطني المصرية) لمناقشة دور الإعلام في الفتنة الطائفية، وفيهما تولي بترتيب مذهل نفر من المحترفين إفساد الندوة، اختلفا في التوجه والانتماء واتفقا في الصياغة، احتلوا المقاعد الأولي وقاطعوا المتحدث واتهموه ومنظمي الندوة بالانحياز واستهداف رموز (دينية) لها قدسيتها (!!) لا فرق بينهم وبين مشاغبي مدرجات كرة القدم ، فقط كان ينقصهم الشماريخ المشتعلة والحجارة، كانوا في الأولي يدافعون عن رموز كنسية لم تقصر في أن تسهم في مد نيران التطرف بحطبهم في مؤتمرات يزعمون انها عقيدية ولاهوتية، وفي الثانية كانوا يدافعون عن رموز اسلامية تحتل مساحات دورية في صحف قومية تقذف من فوقها حممها مقتنصة رداء البحث العلمي و«تبربط» في تعسف المطلق والنسبي والثابت والمتغير. وإزاء الغوغائية يخبو صوت العقلاء فلا أحد يسمعهم، وفي مناخ "الهوجة" يصبح اطفاء الحريق مقدمًا علي المواجهة الموضوعية، فهي مؤجلة الي ما بعد الإطفاء والتبريد، وربما فطن هؤلاء لهذا فتجدهم لا يتوانون في اشعال الحرائق بشكل متتابع ومتشابك فلا نكاد نلتقط الأنفاس حتي يحترق الوطن. هل يمكن أن تواصل قافلة التنوير سيرها وهي محاطة بالنابحين من نخب الترسو والالتراس، لا أظنها تقدر علي هذا إلا بعودة هيبة الدولة وعودة سيادة القانون، ورغم تحفظي الشديد والمبدئي علي إعلان حالة الطوارئ ومن ثم تطبيق قانون الطوارئ. إلا أنني اجدني والحال هذه مع مد مظلته وتفعيله علي تلك النخب المزعومة التي هي اشد خطراً من المخدرات والفاعل الخفي للإرهاب، الكرة الآن في ملعب معالي المستشار النائب العام محامي الشعب وفي ملاعب الأحزاب واللاعبين السياسيين والبقية الباقية من النخبة الحقيقية ، فمتي نسمع صافرة البداية؟