كان ركوب عربات الحنطور قديما نوعًا من الترف يفوق استعمال عربات الأجرة خاصة لمن كانوا يتأرجحون بين أعلي الطبقة المتوسطة وأدني الطبقة البورجوازية في ذلك الماضي المتباعد كانت تلك العربات ذات فوانيس ومقابض من النحاس الأصفر يتم تلميعها يوميا كذلك المقاعد الجلدية السوداء اللامعة هي وسقف العربة مما يجعلك تشعر عند ركوب الحنطور بنوع من الوجاهة الاجتماعية التي ضاعت بمرور الزمن وصارت الذئاب والكلاب في ملعب واحد صعب التفريق بينهما من النظرة الأولي. ولقد تحولت الآن عربات الحنطور إلي عربات كئيبة ذات خيول هزيلة تشبه قائدها تشاهد منها العشرات ملقاة علي الرصيف الخلفي لنادي الجزيرة بالقاهرة، كانت عربات الحنطور تعاني وقتها من بعض الصبية المتطفلين النازحين من قاع المدينة يلاحقون العربة ويقفزون علي مؤخرتها مما يضر بالشكل الاجتماعي المطلوب ويبدأ بعض الصبية الآخرين من نفس الفصيل في ملاحقتهم بالصياح «كرباج وراك يا أسطي» حتي يعاقبهم صاحب العربة بالضرب علي مؤخراتهم مستخدما نفس السوط الذي يهدد به الحصان من حين لآخر ولا هم لهؤلاء الصبية سوي تعكير الصفو العام للمسيرة. تذكرت هذا المشهد الذي مرت عليه عدة عقود وربما يتواجد في الأفلام القديمة ذات اللونين الأبيض والأسود، وتخيلت معه ما يحدث هذه الأيام من جولة المباحثات المباشرة بين الغريمين الفلسطيني والإسرائيلي، الولاياتالمتحدة تقود عربة المفاوضات وبداخلها طرفا النزاع ولكن من حين لآخر لابد من استعمال الكرباج للتهويش لكل من الحصان وللصبية الأشقياء هواة الشعبطة والركوب المجاني الذين يحرصون علي تعطيل العربة وركابها وقائدها بل كل من ينتظر وصولها إلي بر الأمان، ألا يكفيهم أن المفاوضات تجري ببطء شديد مثل ركوب الحنطور للتنزه وليس لقضاء المصالح بالسرعة الواجبة، المفاوضات أيا كانت مباشرة أو غير مباشرة تسير بسرعة السلحفاة البرية وليست البحرية كما أن تلك المباحثات يشدها للوراء جميع أهل المعارضة علي الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني وبقية المشجعين لدوام حالة اللاسلم واللاحرب بين العرب وإسرائيل، ولو قبل أهل السلطة الفلسطينية ما خطط له الراحل أنور السادات في مباحثات مينا هاوس لكانت القضية الفلسطينية اليوم علي مشارف النهاية المقبولة والتي يسعي العرب وأهل القضية إلي تحقيق نصف ما كانت عليه النتيجة وقتها! دعونا نتخيل أن الطرف الإسرائيلي سوف يفقد عقله في لحظة ما ويمنح المفاوض الفلسطيني كل شيء وربما أكثر مما يطلب ويهجر سكان المدن والمستعمرات دولة إسرائيل إلي غير رجعة، لكن حماس سوف ترفض تلك الصفقة رفضا باتا قاطعا حيث إنها حدثتا دون مقاومة (؟). عجيب أمر منظمة حماس وتوابعها والمؤيدين لها ممن جعلوا الإسلام هو الحل، يرفضون المباحثات ويرفضون المصالحة ويرفضون العمل المشترك بل ويهيلون التراب علي كل الوسطاء والمصلحين من أمثال ذلك المهتز عصبيا عبد الباري عطوان وأمثاله من رؤساء تحرير الصفحات السوداء وكل الكارهين لمنهج الاعتدال بل جميع المعارضين للحكم حتي لو في مملكة بيوتان!! كما أنه يوميا نقرأ تصريحا من غزة وآخر من عمان وثالث من دمشق ورابع من بيروت وكل منها يدلي به أحد الكوادر في المنظمة يشجب ويرفض ويندد بالعالم أجمع ويحتمي في خلفية الصورة بالسيفين المتقاطعين والشهادتين. ولقد اتسعت هوة الخلاف بين كل من فتح وحماس بما يفوق تلك الهوة السحيقة بين الكيان الصهيوني وبين شعب فلسطين، ولهذا يعرف المفاوضون والمحللون لهذه القضية أنها قضية الفرص الضائعة ومن الواضح أن معدل فقد الفرصة حاليا أسرع بكثير مما سبق بل الخسارة أكبر بمراحل مما كان وتعويض الفاقد من الأرض ومن التاريخ ومن الجغرافيا ليس من السهل بأي حال من الأحوال؟! * كاتب وأستاذ جامعى