حينما يقتصر التقييم الإعلامي علي ارتفاع نسبة المشاهدة في الفضائيات أو التوزيع للصحف، ويرتفع ضجيج الإعلاميين والصحفيين بشكل مغلوط حول الاحتكام للمشاهد أو القارئ فحسب، فإن الأمر يحتاج إلي مراجعة، لأننا لو احتكمنا فقط إلي المعايير الكمية في المشاهدة أو التوزيع: فإن برامج (الاستربتيز) ستكون الأعلي مشاهدة، كما أننا نعرف أن توزيع الكتب الجنسية أعلي بكثير من توزيع سائر الكتب والمطبوعات قاطبة. وإذا روجنا كل صباح للأخطاء.. وفي اليوم التالي اعتذرنا عنها فيجدر بنا أن نعيد النظر في آدائنا المهني، أتوجه بذلك الحوار إلي الزملاء الأعزاء في صحيفة المصري اليوم كقارئ وزميل، فعلي سبيل المثال يري كثيرون وأنا منهم أن المصري اليوم تمتلك زمام الريادة في الصحافة الخاصة، ومن ثم تقع عليهم مسئولية تلك الريادة، فإذا كانت المصري اليوم تفخر بكونها صحافة استقصائية، فكيف يتأتي ذلك والزملاء الصحفيون بها لم يستقصوا رأي كتابها البارزين فيما نشر عنهم من (مانشيتات) في الصفحة الأولي، وفي الصباح التالي تعتذر الجريدة، ثم تهلل بفضيلة الاعتذار للتستر علي أخطاء مهنية ترقي للخطايا، لأن ما حدث كان يستدعي أن يتزامن مع نشر الاعتذار إيضاح للقارئ حول نتائح التحقيقات التي تمت مع المسئولين عن الخطأ بما في ذلك رئيس التحرير: فما حدث ليس أمراً يحتاج إلي تصحيح بل إنها خطيئة مضاعفة، فالمعلومة خاطئة، ثم تم تأويلها بشكل مغاير، ثم تم إبرازها كمانشيت رئيسي للصحيفة!! أي أن هذا الخطأ مر من الصحفي إلي رئيس القسم ثم مسئول (الديسك) المركزي فسكرتير التحرير فمدير التحرير وحتي رئيس التحرير! الأمر الذي يدفعني للتساؤل: هل هذا الخطأ عيب خلقي مهني في التكوين الصحفي لشباب الصحفيين في الصحافة المصرية مع كامل احترامي للزملاء؟ أم أن ذلك أيديولوجية مهنية جديدة تكاد تستقي من شعار آدم سميث: (دعه يعمل.. دعه يمر) متحولة إلي (دعه ينشر.. ثم نعتذر)!! أذكر فقط بأن ما حدث لم يجر فحسب من قبل مع الدكتور حسن نافعة، بل حدث من قبل مع كل من الأساتذة: سمير فريد، بلال فضل، د.سعد الدين إبراهيم، فاطمة ناعوت، وكل هؤلاء من كتاب الصحيفة المحترمين وليسوا من المصادر الصحفية. كما سبق للمصري اليوم أن أعطت الأولوية للإثارة علي القيم المهنية في موضوعات حساسة مثل بدو سيناء، حيث لم تكتف بنشر الأخبار ووجهات نظر المواطنين البدو، بل شاهدنا صورًا لمواطن يحتضن بيده مدفع رشاش وبالأخري يشير بعلامة النصر، وكأنها ليست المصري اليوم! وصاحب الصور من أبطال تحرير سيناء من العدو الصهيوني!! لست اتحدث من موقع المحرض ضد المصري اليوم بقدر ما أريد أن أطالب الزملاء المسئولين عن التحرير أن يراجعوا أنفسهم حتي لا يتخذ خصوم حرية الصحافة (وما أكثرهم) من تلك الأخطاء ذريعة لضرب حرية الصحافة. كما أنه ليس من المهنية ولا الاحترافية ولا الديمقراطية ولا حرية التعبير أن نرتكز علي قاعدة: (حق القارئ في المعرفة) لنقل ما يجرح مشاعر قطاع آخر من القراء حتي لو كانت هذه المعلومات أو الأحداث صحيحة وموثقة، بمعني أن المصري اليوم نشرت من قبل أبحاثًا رصينة للباحث البارز د. يوسف زيدان تجرح ما يعتقده المسيحيون في ألوهية المسيح، بالطبع من حق الباحث زيدان أن ينشر تلك الأبحاث في الدوريات العلمية، لا أن تنقلها المصري اليوم للعامة وهي أبحاث فوق قدرتهم علي الاستيعاب والتقبل، لمثل تلك الاطروحات التي يخصص لها مطبوعات ومحافل علمية تخصصية. ثم تكرر ذات الخطأ عندما استضافت المصري اليوم الأنبا بيشوي سكرتير المجمع المقدس الذي أطلق العنان بحديث مرسل غير متخصص جرح مشاعر عامة المسلمين. وفي الحالتين (زيدان- بيشوي) كانت الصحيفة علي علم مسبق بآراء الباحث والاسقف، ولم تراجعهما في عدم النشر احتراماً للرأي العام وللحريات حيث لا يليق أن ننشر في الصحف السيارة ما لا ينشر إلا في المطبوعات المتخصصة. وأخيراً أقول لزملائي في المصري اليوم إن الحفاظ علي النجاح أصعب كثيراً من الوصول إليه، كما أن هناك مطبوعات لعبت أكبر الأدوار المؤثرة في تاريخ الوطن مثل مجلات الكاتب والطليعة وصحف مثل المصري وغيرها لازال تأثيرها قائماً حتي الآن في وجدان وعقول المصريين، وهناك مطبوعات أخري كانت في هذه الأوقات أكثر توزيعاً ولم تترك أثراً يذكر. أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم وللقراء.