كتبت هنا عند بداية إعادة محاكمة رجل الأعمال هشام طلعت مصطفي والضابط السابق محسن السكري في قضية مقتل المطربة اللبنانية سوزان تميم، وتعهدت عدم الكتابة عن الموضوع أثناء فترة المحكمة بعدما انتقدت صحف وبرامج تليفزيونية فضائية تحولت أثناء المحاكمة الأولي إلي محاكم عرضت التهم والدفوع والمرافعات وقدمت المبررات وفندت الحجج والوقائع واستضافت المحامين والخبراء. ووضعت القارئ والمشاهد في موقف متعاطف أو متحفز مع أو ضد المتهمين في القضية. وبما أن الحكم صدر في القضية أمس الأول فإنني أعود للكتابة في الموضوع دون التعليق علي الحكم نفسه التزاماً بميثاق الشرف الصحفي، وتطبيقاً للقاعدة التي تقول إن "الحكم عنوان الحقيقة". في المرة السابقة عندما صدر الحكم بإعدام المتهمين مصطفي والسكري كانت غالبية التعليقات التي انتشرت علي شبكة الانترنت تصب في مصلحة المتهمين، خصوصاً هشام طلعت مصطفي، ومن بينها أن الهدف من القضية اقتصادي بالدرجة الأولي، وأن صراع الكبار أفضي إلي محاولة لضرب امبراطورية هشام طلعت مصطفي الاقتصادية والعقارية، في حين ندرت التعليقات التي ذهبت إلي تأييد الحكم تلك التي اتسمت بالتشفي أو الشماتة لأسباب تتعلق بعلاقة هشام طلعت مصطفي بالنخبة الحاكمة أو الحزب الوطني. وكان طبيعياً المرور علي الانترنت مجدداً بعد حكم أمس الأول والذي صدر وسمعنا بالمقارنة بالحكم الأول وتضمن الأشغال الشاقة المؤبدة للسكري (المؤبد أفضل من الإعدام بكل التأكيد) والسجن المشدد 15 سنة لمصطفي. لاحظت أن المفاجأة كانت عند الجميع ربما لأن الجلسة لم تكن مخصصة أصلاً لصدور الأحكام التي فسرها غالبية "المعلقين" علي أنها طوق نجاة للمتهمين اللذين احتفظا بحياتهما حتي لو قضيا سنوات في السجن. عموماً القراءة الدقيقة للحكم الجديد والظروف التي صدر فيها تؤكد أن المتهمين سيلجأن إلي محكمة النقض مجدداً وأن صدور الحكم من محكمة الجنايات دون مرافعة الدفاع يمنحهما الحق في النقض علي أساس أن المحكمة أخلت بحق الدفاع الترافع وتفنيد التهم وتقديم أدلة البراءة، ولأنها ستكون المرة الثانية التي ينقض فيها الحكم فإن محكمة النقض نفسها ستتولي نظر القضية وسيكون قرارها نهائياً غير قابل للطعن مرة أخري. ويبقي سؤال: هل يمكن لمحكمة النقض أن ترفع الحكم إلي درجة الإعدام مرة أخري أو أن تخففه إلي حد البراءة، بالنسبة لأحد المتهمين أو كليهما؟ تجدر الإشارة هنا إلي أن النيابة كانت قد طالبت في مرافعتها في المحاكمة الثانية بالإعدام أيضاً لمصطفي والسكري وبالتالي فإن صدور الحكم بالأشغال الشاقة المؤبدة والسجن لمدة 15 سنة للثاني يعني أن المحكمة لم تستجب لطلب النيابة، وعلي ذلك فإن النيابة نفسها قد تطعن علي الحكم بالنقض حتي إذا رضي الحكم المتهمان. في ضوء ذلك فإن ما سيقدمه الطرفان: النيابة والمتهمان إلي محكمة النقض سيحدد مصير الحكم المقبل والذي سيكون الأخير وقد يرفع العقوبة مجدداً إلي الإعدام أو يخففها إلي الدرجة التي تراها محكمة النقض. أما ردود الفعل تجاه الحكم الجديد فكلها منطقية، فالطبيعي ألا تبدي هيئة الدفاع عن المتهمين ارتياحاً للحكم الجديد إذ إنه رغم التخفيف يتضمن إدانة لهما بجريمة القتل، لكن ذلك لا يغفل بالنسبة للمتابعين للقضية أن الدفاع جاءه علي طبق من ذهب سبب جوهري للطعن علي الحكم لا يمكن لمحكمة النقض أن ترفضه وهو الإخلال بحق الدفاع في تقديم الدفوع والمذكرات والترافع. أخيراً هناك نقطة تقنية في الحكم الجديد، إذ إن الحكم بالنسبة لعقوبة هشام طلعت مصطفي بسجنه سجناً مشدداً وليس الأشغال الشاقة 15 سنة. وهناك فارق بين الحالتين فالسجن المشدد تحسب فيه السنة ب 9 شهور في حين لا ينطبق الأمر نفسه علي حكم الأشغال الشاقة حيث تكون السنة عاما ميلاديا كاملا وما بين السطور يمكن فهمه سواء بالنسبة لهذا الأمر أو باقي الأمور.