هل تكفي كل القوانين والأفكار والمقالات لإقناع البشر بفكرة المساواة بين الرجل والمرأة؟ وهل يكفي الانتباه - لبعض الوقت - إلي أن المرأة كائن إنساني محترم وقادر علي أن يفكر ويعيش ويبتكر ويبدع ويصنع حياته ويحقق أحلامه إذا توافرت له الفرصة والظروف. تداعت هذه الأسئلة إلي ذهني مرارا منذ شهور وأنا أقرأ عن كوتة المرأة التي قررتها الدولة حتي لا يأتي البرلمان خاليا من نصف المجتمع، لأن «المجتمع» لم يعد يثق فيه أي في هذا النصف النسائي، إما بسبب الثقافة المتخلفة القديمة مع الثقافة السلفية الجديدة، أو بسبب قواعد الانتخابات لمجلس الشعب في مصر والتي حرمتنا من القائمة النسبية التي توجب مراعاة التوازن في الترشيح بين كل الفئات، وإما للعجز المادي لمن تريد ترشيح نفسها بمفردها، أو لما يحيط عملية الانتخابات نفسها من أجواء غير مريحة مليئة بالمفاجآت غير السارة من بعض المرشحين الذين يملكون النفوذ أو العلاقات والتربيطات وربما يستخدمون البلطجة وأساليب أخري لترويع منافسيهم. مع هذا كله، فإن حديث الكوتة، وعدد النساء المقرر «64 امرأة» كان كإشارة البدء في سباق اشتاقت إليه نساء كثيرات أسرعن لترشيح أنفسهن في كل مكان في مصر، من قنا وأسوان حتي الإسكندرية، ليزيد العدد كثيرا عن الرقم المطلوب، والحقيقة أنه ليس من المطلوب ان يتوقف عدد النساء في المجلس عند هذا الرقم، ولكنها «بداية جديدة» تفتح شهية النساء وشهية المجتمع لتعامل سوي وإيجابي بين الجميع من أجل هدف أهم وأكبر هو الممارسة الحقيقية للعمل السياسي من أجل تحقيق مناخ ديمقراطي يؤمن بأن هذا الوطن للجميع. ولهذا سعدت حين أصرت أربع نساء علي ترشيح أنفسهن علي قائمة الحزب الوطني في الدوائر العامة، بعيدا عن مقاعد المرأة، وسعدت أكثر حين أوردت محررة الإسكندرية بجريدة «روز اليوسف» اليومية إلهام رفعت ملاحظة مهمة تحدث في انتخابات الدورة البرلمانية الحالية وهي اختفاء الشائعات القبيحة والسيئة عن المرشحات من النساء بعد واقعة خطيرة في الدورة قبل الماضية حين ترشحت سيدتان فاضلتان فإذا بمنافسيهما يستخدمون الحيل الإلكترونية وأساليبها في تركيب وتبديل أي لوك لأي شخص لتقديم صور فاضحة للاثنتين ونشرها وهو ما أخاف بقية النساء فعزفن عن الترشيح الانتخابات الدورة الماضية خاصة ان أحداً من المسئولين عن قيادات الحزب لم يحم أيا منهما. الآن تغير الوضع، وأصبحت ألاعيب الكمبيوتر وحيل الجرافيك شائعة مثل لعب الاطفال، الآن أصبحت لدي النساء شجاعة اكبر ومقدرة علي تحدي الحيل القذرة، لكن هذا لا يكفي دون حماية ودعم من الجميع، ولأنني لا أعرف مدي الدعم الذي ستقدمه الأحزاب للمرشحات ضمن الكوتة وخارجها، فإنني علي الأقل أشكر هؤلاء الذين قدموا الدعم من خلال الدراما في أشكال مختلفة بداية من تقديم صورة أكثر عدالة وانسانية للمرأة كأم وكعاملة وكعائلة للأسرة في أعمال مثل «كابتن عفت» و«بالشمع الاحمر» او الي النساء اللائي يضعهن المجتمع في موقف مؤلم بلا سبب مثلما رأينا في «امرأة في ورطة» و«نعم لازلت آنسة» و«عايزة اتجوز». لكنني اتوقف هنا عند عمل أكثر مقدرة علي الاشتباك مع كينونة المرأة مباشرة وحقها الانساني المكسوت عنه دائماً وهو مسلسل الست كوم «نص أنا.. نص هو» للكاتبة فاطمة المعدول الذي يطرح ولأول مرة معني أن ينتفض كائن انساني مهم يمثل نصف الحياة ليطالب بتغيير أوضاعه بعد سنوات طويلة من «ثبات» هذه الأوضاع، ولصالح الطرف الثاني في الحياة الزوجية، الرجل، فقد ظلت «نبيلة» تقوم بدورها كزوجة وأم لثلاثة اولاد ومربية وطباخة وشغالة وكل شيء بلا توقف بدون مشاركة الإنفاق علي الاسرة، رأت من «حمدي» فقط الوجه المتعب العابث بينما ذهب الوجه الباسم للآخرين، تحملت فوق طاقتها حتي جاء الموعد الذي وجدته مناسبا لتنعتق فيه من هذا الوضع الذي ظل يحفر بداخلها شقاً ظل يكبر ويتسع حتي أصبح خلاصها من «الحالة الزوجية» أمراً نهائياً.. وجاء موعد التنفيذ بعد انتهاء حفل زفاف آخر الأبناء، وعودتها هي والزوج إلي المنزل الخاوي، بدأ «يمارس» ما اعتاده من سلطات فطلب منها تجهيز مياه ساخنة لقدميه المتعبتين لكنها فاجأته بأن الأمر اختلف الآن، وسوف يختلف تماما عن الماضي! فهي لم تعد هي، وهو لم يعد بالنسبة إليها هو، وعليه أن يرضي بانفصالهما عن اداء دوري الزوج والزوجة، وأن يقبل بتقسيم المنزل بينهما نصفين، نصف لها، ونصف له، لأن ظروفه وظروفها لا تسمح لكل منهما بشقة منفصلة.. اعتبرها هو تمزح ثم طلب النجدة من أولاده فحضروا بملابس الفرح، وصممت هي، وبدأ كل منها يتذكر الأيام الطويلة الماضية، ثم بدأ كلاهما يفكر ماذا يفعل وحده. كانت فرصتها لتستريح من خدمته ولطلباته التي لا تنتهي، وكان مقلباً له حيث اكتشف أنه لا يستطيع أن يفعل شيئا بمفرده، وتتطور الأمور حين يسكن كل منهما بمفرده فيخطئ ويصيب، وتتحول الميزة إلي عبء عند «سي السيد» حمدي حين يدرك أنه أصبح خاليا من الرعاية والتدليل والشغالة الخصوصي التي تزوجها ذات يوم بعد فشله في زواج أخري أحبها، أما نبيلة فتزيح لأول مرة طبقات من الذكريات السيئة التي ملأتها كمدا طوال حياتهما بدءا بكونها بديلة لحبيبته القديمة التي سمي ابنته سميرة علي اسمها «ولم يكن يدري أنها تعلم» مرورا بتعاليه عليها وهو المثقف ورفضه مشاركتها له في الكثير الذي أحبت أن تشاركه فيه في بداية حياتهما. لقد صنع لنفسه عالما خاصاً بعيدا عنها وترك لها البيت بما فيه أي انه صنع الانفصال منذ البداية ولم يفكر لحظة في النظر اليها باعتبارها شريك حياة وحبيباً أو علي الأقل، الإنسانة التي «دخلت الخدمة» عنده لحسابه ولحساب أولادهما، بلا مقابل «معنوي» ولا مادي ولا لحظات سعادة، بالطبع فإن العمل الذي أخرجه رائد لبيب يطرح هذه الأفكار من خلال فنانين كبيرين هما «عبلة كامل» في دور نبيلة ومحمد وفيق «حمدي» الذي يغير جلده هنا بعيدا عن الأدوار الجادة في المسلسلات الاجتماعية التي شارك فيها، هنا تكتسب الأحداث من خلال أسلوب الكتابة ومفارقات المواقف المتتالية للمؤلفة واسلوب تقديمها من خلال المخرج بعداً كوميديا اراه ضروريا لفتح هذه الملفات الصعبة والمسكوت عنها عندنا، لكنها أحيانا ما تتحول من كوميديا إلي نوع من الهزل الذي لا يصلح في وقت الجد وهو ما يخص رؤية المخرج التي لابد أن تكون متفقة تماما مع رؤية الكاتبة لمثل هذه النوعية من الأعمال التي تحرك الراكد من أمور حياتنا الاجتماعية، وتثير نقاطا يعتقد الكثيرون منا أنها لا تحتاج للتوقف عندها، أو انه شيء طبيعي أن تفعل المرأة هذا وأن تقسم الأدوار بينهما علي هذا النحو. الحقيقة أن من يستريح لظلم امرأته في البيت معتقدا انه بيته وحده، وليس بينهما المشترك، لابد أن يخلي باله من مسألة مشاركتها في الحياة العامة، بل ربما يستنكر تقدمها لترشيح نفسها في أي انتخابات علي أي مستوي.. فلماذا يسعي الي تغيير أوضاع تجعله مستريحا سعيدا بعيدا عن الهموم والمسئوليات «الصغيرة» التي تقوم بها أم عياله؟ وكيف يتقدم لمناصرتها في الانتخابات وهو يكيل لها اللكمات في المنزل؟!