بنتك طالق يا باشا. جبتها من سرير أعز أصدقائي! بهذه الكلمات يحسم البطل (ابراهيم خان) الصراع الذي دار في نفسه بين حبه لزوجته (سعاد حسني) وولائه لصديقه (رشدي أباظة). الجملة توحي بأنه اختار الصديق واعتبره مهما حدث صديقا عزيزا أخطأ، أما الزوجة فتستحق الطلاق، عقاب صارم ونبيل في الوقت نفسه. في الطريق بين شقة وبيت الأب رئيس البوليس السياسي (محمود المليجي) تحتدم النبرة الميلودرامية التي بدأ بها المشهد لكننا لا نري شيئا من تطورها، نري فقط نتائجها. يطيل كمال الشيخ مخرج "غروب وشروق" مشهد الخيانة التي لم تتم ويمهد له بأشكال كثيرة، بصنعة وحرفية مخرج كبير. سعاد تزور رشدي للمرة الأولي في شقته، وبغنج تصر أن يفتح لها زجاجة شمبانيا، لكن البيت يخلو منها، ورشدي عليه أن يلبي طلب الجميلة التي تتدلل عليه مثل الأميرات. تلبية الطلب شرط الغواية الوحيد، يؤجلها ويعطيها مذاقا لاذعا منعشا مثل مذاق الشمبانيا. يسرع رشدي بالخروج من البيت متلهفا للعودة ويغلق باب غرفة النوم بالمفتاح متعللا بحجة واهية، هي مسمار في نعش الدراما، يقود سيارته ويشتري الزجاجة المطلوبة وقبل أن يصل إلي البيت يقع حادث السيارة الذي يوصله إلي المستشفي ويضع نهاية مفاجئة لإمكانية وقوع خيانة حقيقية. المشاهد الذي تحكمه قواعد الأخلاق الحميدة يتنفس براحة، نسبيا، خاصة لو كان يحب سعاد ويبرأ بها عن الخيانة، أو كان يتوحد مع رشدي ويتمني له أن يعقل ويستقر ويكف عن مطاردة النساء. أما المشاهد الذي يتتبع خيوط الفيلم وروحه العامة وتستقر في حلقه تلك الغصة التي يخلفها الشعور بالفرح الزائف وتحسب الألم، فيعرف من دون شك أن كارثة علي وشك الوقوع. ليس فقط لأن إضاءة الفيلم منذ بدايته باكية حزينة، وليس لأننا في عام 1970 عام انتاج الفيلم رغم أن الأحداث تدور في عصر الملكية وتحاول تذكير الناس بمساوئ الاحتلال (مشهد خلاب وقاس يزرعه المخرج منذ البداية نري فيه الأصحاب الثلاثة في سيارة بصحبة نساء، يغنون وهم شبه سكاري، يتجولون في المدينة قبيل الفجر، قوات الشرطة تملأ الشوراع، يخفت صوت الغناء كلما مروا أمام كتيبة، كلوز أب علي وجه رشدي أباظة قلقا وكلمات الأغنية تتوه علي شفتيه، وكلوز أب ثان علي وجه صلاح ذوالفقار حزينا يستند برأسه إلي زجاج السيارة)...وليس لأن اللهو والاستهتار يقفان في مواجهة مع الوطنية والالتزام كما يؤكد لنا الفيلم، ولكن لأن الحدث البسيط (خيانة زوجة) يصبح مبررا لكي يلعب المخرج بمشاعر المتفرج وأفكاره، يصيبه بصدمة ويجبره علي الرفض والإدانة والتعاطف والمغفرة في آن واحد وكأن الحكم الأخلاقي الجاهز قد أصبح بعيد المنال. كارثة علي وشك الوقوع لأن سعاد تنتظر في الغرفة وحيدة، أبدلت بثوبها قميص نوم رقيقا، ووضعت اسطوانة موسيقي هادئة ونامت علي الفراش وراحت تتأمل محتويات الغرفة وتشرب وهي تتصور شكل الخيانة وطعمها قبل أن تحدث، تبدو سعيدة بمجرد التفكير في إمكانية حدوثها، مثل كثير من النساء اللاتي يحلمن بها ولا يقدمن عليها. وكأن انبساطها بالتواجد في الشقة التي سمعت عنها الكثير من زوجها كاف بالنسبة لها ليحقق بوهم الاحتمال قدرا من السعادة المؤقتة. ثم ما حاجتنا نحن المتفرجين لمشهد خيانة حقيقي، مادام الهدف أبعد ما يكون عن ذلك؟ المخرج يريد أن تظل هذه الزوجة حبيسة وحدتها وأشواقها وشعورها بالسأم، يريدنا أن نحبها رغم كل شيء، رغم تهورها ورعونتها واحتياجها لرجل يقف في وجه أبيها ويحميها من تسلطه.. والكاميرا في غرفة النوم تراقب من بعيد، لا تقترب، تتحسس وتوحي بسعادة مجروحة، ناقصة، لكنها كافية لإشباع البطلة وكافية لإشباع خيالنا كمتفرجين. بالتوازي، رشدي محبوس في المستشفي، احتجزوه لعمل محضر للحادث، وهو يطلب من صديقه (الزوج) أن يذهب إلي الشقة ويطلق سراح الزوجة المسكينة حتي لا تحدث فضيحة. المشاهد وحده يعرف حقيقة العلاقة بين الثالوث، والزوجة أيضا تعرف، لذلك يضعها المتفرج في صفه لأنهما متواطئان في المعرفة، يكاد المشاهد يصرخ في سره محاولا تنبيهها للخطر، يتمني أن تنجو هذه المرة خاصة أنه يري ضعف الزوج وتخاذله ويري (بسبب الفحولة التي يتمتع بها العشيق) أنه الأنسب لتحقيق رغبة الزوجة في الحصول علي السعادة. المأزق الاجتماعي والأخلاقي في كل مثلث خيانة ناجح يتراجع لمصلحة المبرر النفسي والعاطفي، خاصة لو كان الطرف الضعيف بجاذبية وتهور البطلة في "شروق وغروب". تطول عملية القطع بالتوازي في هذا الجزء من الفيلم، بين الشقة والمستشفي والمطار حيث يعمل الأصدقاء الثلاثة والطريق بين المطار والمستشفي حيث يسرع الزوج لصديقه الذي يعطيه مفتاح غرفة النوم ثم وصول الزوج للعمارة ودخوله الشقة وفتح باب الغرفة وانتظاره بحياء لثوان وهو يري الزوجة نائمة ولكنه لا يتبين ملامحها. كل هذا التطويل يثير مشاعر المتفرج ويزيد جرعة التشويق والأمل في إنقاذ البطلة ولو علي حساب الواقع. ثم تأتي لحظة استيقاظها والمواجهة بين الوجهين في لقطات قريبة، ذعر الزوجة التي لا تصدق أنها تري زوجها هنا وغضب الزوج الذي لا يصدق أن تكون المرأة التي يسخر من احتجاز صديقه لها هي زوجته. تأتي بعد ذلك لقطات أقل ما يقال عن واقعيتها إنها واقعية ميلودرامية لاستنفار عواطف المشاهد بشكل يثير الفوضي ويختلط فيه التوحد مع البطلة والشفقة عليها والغضب منها مع الشعور بالاحباط لأنها ظلمت بمعني من المعاني، كل هذا في مواجهة عابرة بين الوجهين، قبل أن يبدأ صراخ البطلة وتوسلاتها طلبا للرحمة. ورغم شهرة المشهد الميلودرامي واستقراره في ذاكرة المتفرجين، يظل مشهد سعاد حسني وحيدة في غرفة النوم أكثر حيوية ونضجا وأقرب لمنطق الخيانة الذهنية الملتبس الذي ينقذ الفيلم برمته من الوقوع في فخ المعني الأخلاقي.