أبرز نموذج للصحفيين والإعلاميين المصابين بالاضطراب والتقلب والتوتر هو الأستاذ إبراهيم عيسي. فالأستاذ إبراهيم عيسي منذ أن بدأ في الظهور في عالم الصحافة والإعلام وهو شخصية مثيرة للاضطراب والخلل والجدل النفسي، علي الأقل لي أنا شخصيا، فتارة كنت أجده في أحد برامجه يتحدث في حلقات مسلسلة عن أبي بكر وعمر بن الخطاب، وتارة يتحدث عن التاريخ الإسلامي وحياة الصحابة، ثم قفز في بعض البرامج الأخري ليتحدث عن أحوال الشعب المصري وسلوكياته، ثم أخذ يرتدي ثوب الواعظ والمرشد الأخلاقي، ثم قفز إلي برنامج آخر لينتقد الحكومة والمسئولين. ولكن يبدو أنه رأي أن الحديث في هذه الأشياء لم يعد له بريق أو رنين عند الناس، فقرر الأستاذ إبراهيم عيسي أن يجاري الجو ويركب الموجة السائدة في الإعلام الآن فقفز مؤخرا إلي برنامج يقال أنه (كوميدي) اسمه (حمرا) كان يذاع يوميا علي قناة كوميدية في شهر رمضان، وكلمة (حمرا) هي الكلمة الثانية لعبارة (.... حمرا) وهي عبارة دارجة علي ألسنة السوقة والسفهاء والجهلاء والعامة تقال لشخص مخادع أو كذاب أو أهبل عندما يتحدث في أمر لا يعقل أو لا يمكن أن يحدث أو يصدق، فيقال له (.... حمرا)، ويبدو أن الأستاذ إبراهيم عيسي وجد أن الوعظ والإرشاد والحديث عن الصحابة والتاريخ وانتقاد السياسيين أصبح عملة باهتة ولم تعد تثير لعاب المشاهدين فقرر أن يقدم برنامج (حمرا)، لكنه لم تتفتق قريحته عن وقت يقدم فيه هذا البرنامج (السفيه) سوي توقيت شهر رمضان، شهر القرآن والعبادة والتقوي، وراح يستضيف فيه الراقصات والمغنيات والفنانين والفنانات وبعض الإعلاميين والرياضيين، وكلما استضاف شخصا رجلا أو امرأة إلا وسأله أو سألها في بداية البرنامج: (مين قالك حمرا قبل كده) (وقلت لمين حمرا قبل كده) ثم تدور بقية الحلقة والأسئلة علي هذا المنوال، والضيف المسكين والضيفة المسكينة لا يدريان أن الأستاذ إبراهيم عيسي قد أتي بهما ليسخر منه أو منها ليضحك ويضحك الناس عليهما. فهو بالفعل شخصية تثير الاضطراب والخلل والجدل النفسي، وأعني بالاضطراب والخلل والجدل النفسي كثرة ما يثيره هذا الرجل من تساؤلات تخالج نفس القارئ لكتاباته والمتابع لبرامجه التليفزيونية، وتتمركز هذه التساؤلات حول شخصية الأستاذ إبراهيم عيسي التي تنضح في كتاباته وبرامجه المتهكمة علي كل شيء والساخرة من كل شيء، وكذلك قدرته العجيبة والغريبة علي المزج بين ما هو جاد وهام ومثير وبين ما هو ضحك وهزل وهزء واستظراف وكوميديا، مما يجعل المرء يتساءل بينه وبين نفسه هل هذا الرجل جاد فعلا وصادق فيما يقول ويطرح من قضايا وانتقادات؟ أم أن الأستاذ إبراهيم عيسي مجرد مونولوجست أو كوميديان يضحك علي نفسه ويضحك علينا؟. لا يستطيع أحد أن ينكر نبل بعض ما يدعو إليه الأستاذ إبراهيم عيسي في مقالاته الصحفية وبرامجه التليفزيونية من قيم مجتمعية يتمني هو وغيره أن تسود في المجتمع المصري، ولا يستطيع أحد أن ينكر أهمية ما يدعو إليه من مطالب سياسية وديمقراطية وحرية وشفافية. ولكن السؤال الأهم، هل الأستاذ إبراهيم عيسي جاد بالفعل ومؤمن حقيقي بما يدعو إليه من مبادئ وقيم؟، أم أنه يجاري الأوضاع والأمور السائدة في المجتمع الصحفي والإعلامي الآن طبقا للمثل المعروف: (إللي تكسب بيه العب بيه)؟ أم هل هو ركوب للموجة السائدة في مصر الآن، التي امتطي ظهرها معظم من يعمل في الصحافة والإعلام والفن؟، إذ إن الموضة السائدة الآن في الصحافة والإعلام والفن هي شهوة الكلام في أي شيء وشهوة العمل في كل شيء لهاثا خلف الشهرة والظهور والأجور وليذهب إلي الجحيم كل ما تبقي في الوطن من أمور؟.