ما جري في جامعة القاهرة يوم الخميس الماضي، هو حدث فريد، ومجيد، ملهم بالمعاني، ويفجر الطموح في نفوس الساعين إلي خدمة هذا البلد، كما أنه كان مثالاً علي نوع التقدير الواجب في شخصه.. وفي حينه.. وفي من قدمه. أعني بهذا تقديم الدكتوراه الفخرية للسيدة سوزان مبارك، من جامعة القاهرة، التي أحسن عميد كلية الآداب حين وصفها بأنها تاج الجامعات العربية، ولم يكن وصفه مبالغا بل دقيقا جداً، وهي جامعة معروفة برشادتها وترشيدها ولا أقول (بخلها)، في تقديم مثل هذا التكريم لمن يستحقه، إذ كما قال الدكتور حسام كامل رئيس الجامعة الذي تعود إليه مبادرة الحدث الجليل، إن الجامعة قدمت فيما يزيد علي مائة عام 88 دكتوراه فخرية فقط. إن التكريم الذي نالته السيدة الأولي، ليس لمكانتها المجتمعية المميزة، وإنما لمجهوداتها وجهدها ورسالتها، تكريم قصد - ولا أقول صادف - أهله، وتعمد أن يبلغهم، وذهب إلي حيث ينبغي أن يكون، وفق معايير موثوقة، باعتبارها صاحبة مشروع متكامل، له أبعاد إنسانية ومجتمعية وتنموية، يتميز برؤيته العلمية الحاكمة والمنظمة، والإصرار المثابر والدءوب، والفائدة الواسعة التي تعم علي فئات مختلفة.. ببعديه المحلي والدولي. لقد تابع الكثيرون هذا الحدث واجب الإشادة، والذي لا بد أن نثني علي جامعة القاهرة لأنها أقدمت عليه، ولكن اللافت أن السيدة الأولي قد حولت الاحتفال بتكريمها إلي تكريم مقابل لجامعة القاهرة، وأصبحت هي من موقعها السامق المرموق تقدم بدورها تحية لجامعة عظيمة.. وتجعل من المناسبة فرصة لكي تؤكد رسالتها المتبلورة بشأن دور الجامعة والمجتمع المدني ومنهج التنوير. يقول الإمام علي بن أبي طالب: (أرفع العلم ما ظهر في الجوارح والأركان).. ويقول الإمام الشافعي (العلم ما نفع).. ويقول ابن الوردي (جمال العلم إصلاح العمل).. ويقول أفلاطون: (قليل من العلم مع كثير من العمل به، أنفع من كثير من العلم مع قليل من العمل به).. ويقول الخليفة عمر بن الخطاب (تعلموا العلم وعلموه للناس).. وقد مثل خطاب السيدة سوزان مبارك في مناسبة تكريمها (حديث علم) في (بيت علم) من (سيدة علم وعمل).. خاصة أنها تحدثت بوضوح عن تجربتها المازجة بين النظرية والتطبيق في سعيها لتغيير الواقع. لقد طالبت سوزان مبارك الجامعة بأن تبقي منبراً للحرية والفكر.. وقالت إن الجامعة هي الأقدر علي ترويج النظرة الصحيحة للدين.. وأنها الدافعة إلي العلم والاستنارة.. وأنها الأجدر بأن تحمي حرية علمائنا ومفكرينا.. وأن الجامعة هي التي نتطلع إليها حين يواجه أبناؤنا تحديات المستقبل. كانت الأجواء مثيرة للفخر، والليلة عظيمة، والمنبر الذي يقدم التكريم في أوج تألقه، وكانت السيدة الأولي كما اعتدناها في رونقها الهادئ ورصانتها المضيئة تقدم من تجربتها ومن خبرة حياتها في ذات الوقت الذي تتلقي فية شهادة نبيلة من جامعة عظيمة.. وقد كان في كلمة السيدة سوزان مضمون جدير بالتوقف خصوصاً هذا الذي أصلت فيه لدور المجتمع المدني في عمومه والمجتمع المدني في خصوصه، ذلك أن تلك هي رسالتها.. وهذا هو سعيها الذي ناضلت من أجله ولم تزل. إن التنمية، والتطور في المجتمع، لا يقومان إلا بتعاون أضلاع مثلث معروف الخصائص، ضلع العمل الرسمي الحكومي، وضلع العمل الخاص، وضلع العمل المدني والأهلي، وقد كانت السيدة الأولي يوم الخميس تنير واحدة من أيقونات مصر التاريخية في مجال العمل الأهلي وفي بيت للمجتمع المدني، ومن ثم فإنها راحت تتكلم عن دور المجتمع المدني في مواجهة المشكلات وفي تعبئة الموارد وتنمية الطاقات.. دون أن تتجاهل تجذير وضعيته في تاريخ البلد.. إذ بدأ ناهضاً.. وانقطع في الخمسينيات.. ثم عاد واعداً في العصر الحالي.. مازجاً بين المواصفات الخيرية وأبعاد متعددة أخري.. وهو كلام مهم يأتي من صاحبة خبرة ودور.. وسيدة أسهمت عن حق في تنمية هذا الضلع الثالث في تنمية مصر. تحية إلي السيدة الأولي وإلي الجامعة التي توجت قائمة المكرمين فيها ومنها بإسم سوزان مبارك.
الموقع الالكتروني : www.abkamal.net البريد الالكتروني : [email protected]