كان يقال دوما: «المستحيلات الثلاثة: الغول والعنقاء والخل الوفي»، ويبدو أن القائل لم يتوقع وقتها تغير الزمان والأحوال حيث اتضح أن الثلاثة لم تصبح مستحيلة بالمرة، بل ونعايشها يوميا قبل الأكل وبعده فالغول وفقا لمختار الصحاح «بالكسرة والشدة تحت حرف الصاد» «حيوان خرافي».. أو «شيطان يظهر للناس في صور متنوعة كي يضللهم ويشتتهم حتي الهلاك»، هذا باعتبار ما كان، لكن الواقع الحالي يفسر الغول بالقول: الغول من الغلو، من الغلاء، وهو حيوان مصري من سلالة مفترسة، فصيلة آكلات اللحم البشري، موطنه الأصلي دلتا النيل، انتشرت قطعانه بشدة وبسرعة في شمال الوادي يترك آثاره علي كل ما تقع عليه عين الإنسان المصري بدءا من حزمة الجرجير وحتي حزمة الكومبيوتر، ومن دواء الكحة حتي دواء الروح، ومن خدمة السباك حتي خدمة الدين، ولديه قدرة فائقة علي رفع قيمة العملات وخفضها دون سابق إنذار، كما أن له فعالية لا مثيل لها علي ادخال تعبيرات مبتكرة علي ألسنة المسئولين يلفها الغموض ويحيط بها الدلال، ومن نوعية: تحريك الأسعار، آليات السوق، سعر الصرف، تفعيل الحوكمة، حلحلة الأزمة، الحكومة الالكترونية، البعد الاقتصادي، الدعم لمستحقيه، لا مساس «وهلم شعارات». الغول اذن أصبح أنيس احفاد الفراعنة بعد أن تحول إلي هرم رابع له كل قدسية نتعايش معها بطريقة «مجبر أخاك لا بطل» مع تكرار الدعاء المصري وفقا للاخ الجبرتي «يا خفي الألطاف نجنا مما نخاف»! يجري ذلك متزامنا مع بعض أحداث اللهو الخفي: مباراة كرة قدم، فيديو كليب، جريمة قتل، زواج ممثلة، كي يتناسي الإنسان المذكور أخبار مواد أولية مثل الزيت والشاي والسكر والأرز.. الخ بغض النظر عن اللحم والسمك والبيض واللبن «الشر بره وبعيد» وحتي يتوه مصابا بنوع من الغيبوبة لا يستطيع معها التفرقة بين قلم الحبر وقلم المرور، أو بين سينما مترو ومترو الانفاق، أو بين شكمان عبدالرحيم وسيلين ديون، أو بين الشهر الفضيل والشهر العقاري أو بين صندوق النذور وصندوق النكد الدولي، وهلم توهانا. ومن التيه نراقب دون كلل: نائب المخدرات وزميله البلطجي ونائب التزوير ودفعته بتاع تأشيرات العمرة، ونائب النقوط وقرينه خبير القمار ونائب العلاج وصاحبه مدمن التهريب.. الخ، حتي تداخلت الأمور وتاه كل شيء داخل أي شيء، وازدحمت صفحات الحوادث بالجرائد مع ازدياد صفحات الفن «والتفنن» بالمجلات هذا وللسوق رب يحميه. هذا ومع تهور غول الأسعار الذي تحول إلي سعار، ازداد العنف متمثلا في قطعان الخارجين علي القانون أرباب السرقة بالاكراه وتنوعت أشكال النصب والاحتيال والرشوة والتحرش علي كل المستويات، واختفت التسعيرة سواء كانت جبرية أو هندسية أو حساب مثلثات كما اختفي الحياء والخوف من المجتمع والعرف والقانون، ناهيك عن حساب يوم آت لا ريب فيه، وظهر ما يسمي بالفتنة الطائفية وفي الطريق الصراع الطبقي وربما الدموي. أصبح غول الأسعار اذن هو الانيس والجليس، الرفيق والطريق.. غصبا وعلنا وبالاكراه بل وبمباركة المسئولين ولا عزاء للمختار المذكور، أو جموع المطحونين بالغلاء، أو «المشويين» بالحرمان. ثم نعود إلي المعجم حيث العنقاء: طائر مجهول الجسم لم يوجد، وهنا نكتشف خطأ آخر، حيث الطائر معروف.. جارح دموي يتغذي علي اللحم البشري.. كما حدث قبلا في صابرا وشاتيلا، وبحر البقر، وكما يحدث حاليا في الرمادي وبغداد، والضفة وغزة، بل وكما يجري داخليا عبر مسلسل يقوم ببطولته رجال الأعمال السوداء عبر حلقات تتضمن بيع كل ما هو مصري، من الأراضي وحتي الآثار، ومن الأطعمة منتهية الصلاحية حتي الأدوية منعدمة المفعول، مع الاتجار في الذمم والضمائر وكل ما هو محرم أو ممنوع، وفي دول الغرب متسع لاستقبال الأرباح وليس في القاموس كلمة: يشبع أو فعل: يكتفي.. أو معني: يخجل.. أو تعبير: يخشي يوم الحساب. ونصل إلي ثالثها: «الخل الوفي» كي يتضح لنا وجوده برفقة البعض وعلنا دون خلوة شرعية حيث يثبت يوما بعد يوم وبيعا بعد بيع أنه نعم الصديق.. المخلص والمساند حقا وقت الشدة وزمن الخصخصة، ويؤكد كتابة أنه يثق بالله «IN GOD WE TRUST» معتمدا علي المبادئ بطريقة «أحلي من الشرف مافيش»، «رحم الله توفيق الدقن»، إنه السيد السائد: الدولار الأمريكي.. الصديق وقت الضيق.. بافتراض ما قد يحدث ولو بعد حين، وخزائن البنوك خارج المحروسة ترحب بالسادة الضيوف، وكله بثوابه أو بعمولته، ويسعدنا تقديم التسهيلات: شحن، نقل، تفريغ، تخزين، تكريش، تهليب، تشويش، ترويع.. وكله بثمنه. أخيرا ألستم معي أن المعجم اللغوي يحتاج تعديلا يتوافق مع مبادئ الزمن الرديء خاصة فيما يتعلق بالغول