استعرضت بالأمس بحثا يتناول كيفية التواصل مع المراهقين.. ويهدف بالدرجة الأولي توجيه الآباء للتواصل مع أبنائهم من المراهقين.. كما يهدف بين السطور إلي مخاطبة المعلمين أيضا لحث هؤلاء وأولئك علي تغيير بعض المفاهيم لتحسين سبل التواصل مع من نعتبرهم صغارا وهم ينظرون لأنفسهم علي أنهم قد صاروا كبارا.. وأول مفهوم ينبغي أن يغيره الآباء والمعلمون هو أنهم أكثر علما ومعرفة في جميع الميادين من أبنائهم.. والحقيقة هي أن وجود الخبرة لدي الآباء لا ينفي سرعة تعاطي الأجيال الأصغر سنا مع الوسائل الحديثة بشكل أفضل.. وبالطبع هناك ميادين عديدة يعلم فيها الآباء أكثر مما يعلم أبناؤهم، ولكن لا ينبغي أن يقوم الآباء بإلغاء قدرات أبنائهم والحجر علي أفكارهم وآرائهم وتوجهاتهم اعتمادا علي أنهم أكثر علما وخبرة.. ومن المفاهيم الهامة لتحقيق تواصل فعال بشكل عام مفهوم الاستماع الجيد.. ولكن الصعوبة الشديدة علي الآباء والمعلمين تكمن في أن يستمعوا لأبنائهم لأنهم غالبا مؤمنون بأن واجبهم هو الإرشاد والتعليم والتوجيه، بل والتوبيخ.. مما يجعل إقناع الآباء والمعلمين بضرورة الاستماع مهمة صعبة.. ولكن المراهق الذي يسعي لإثبات وجوده وعرض آرائه وسرد مغامراته، وينتظر تصفيقاً وتهليلاً من حوله، ويهتم برأي الآخرين فيما يقول ويعمل، يختلف كثيرا عن الطفل الذي يسعي للمعرفة والاستكشاف ويسأل أسئلته ثم يستمع بشغف للإجابة من الكبار.. من هنا ينبغي علي الآباء التمييز بين الطفل والمراهق.. بين الذي يستمع، والذي يتكلم.. لذا يشجع الأب الحكيم ابنه علي الحديث بدلا من أن يلاحقه بالتوجيهات والتعليمات.. ويستمع لما يقوله المراهق دون أن يقاطعه، ويتفاعل إيجابيا مع مشاعر ابنه حتي وإن كانت لا تمسه الآن متذكرا أنه كان مراهقا في وقت مضي.. كما لا يجب علي الآباء سرد قصص بطولاتهم عندما كانوا في عمر أبنائهم، ويجب أيضا أن يمتنع المعلمون عن التعليقات الخاصة بضعف الأجيال الجديدة أخلاقيا وعلميا.. إذ أن كثيرا من المراهقين والشباب يكررون الشكوي من الإحباط الذي يتسبب فيه آباؤهم بالمنزل وأساتذتهم بالمدرسة أو الجامعة لأنهم في كل مرة يتكلمون يقاطعهم الكبار ويعلنون فشل الجيل الجديد في كل شيء! أما أصعب مفاهيم التواصل هو أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر.. وتكمن الصعوبة في أن الطرف الآخر في حالة الأب والأم مع الابن والابنة أنهما طرفان مختلفان في العمر والتفكير والمنظور الحياتي.. ومن ثم يصعب علي كل منهما أن يضع نفسه مكان الآخر.. ولكن في اعتقادي أن علي الكبار القيام بهذه المهمة الصعبة لسبب واحد: أنهم قد مروا بهذه المرحلة من قبل، علي عكس الأبناء الذين لم يمروا أبدا بمرحلة النضوج كآبائهم.. هنا ينبغي علي الآباء أن ينظروا للأمور بعيون أبنائهم لا ليوافقوهم علي ما يرونه ولكن لإيجاد المدخل الذي يمكن من خلاله توحيد الرؤية بينهما أو علي الأقل تقريبها.. التربية والتنشئة والتعليم مهمات صعبة تعودنا خطأ أن نقوم بها بعفوية ودون دراسة.. ولكنها تعتمد علي أسس ودراسات إذا أخذنا بها واجتهدنا في معرفتها وتطبيقها سنكون آباء ومعلمين أفضل، ونجد ثمرا أوفر في أبنائنا..