بكل تأكيد لن تكون حادثة سرقة «لوحة زهرة الخشاش» هي آخر الحوادث، وإنما ستتكرر في المتاحف، وغيرها، طالما تسيطر علينا «ثقافة الإهمال» بكل مفاهيمها واتجاهاتها وأساليبها وأنواعها، وسلوكياتها - وفي المواقع والميادين، وعلي كل المستويات. وإذا كانت حادثة سرقة هذه اللوحة هي المسيطرة علينا الآن، فإنه وفي هذا الإطار نشير إلي ما يحدث من نهب وسلب وسرقة لآثارنا بفعل اللصوص، وتجار الآثار، وابتكار العديد من الأساليب لارتكاب أبشع الجرائم في حق آثارنا وتراثنا: تاريخنا، عرضنا وشرفنا، والذين حاولوا من قبل تمرير التشريعات والقوانين لاباحة الإتجار فيها وتبادلها، لولا تلك الوقفة من حامي آثار مصر وهو وليس غيره «زاهي حواس» ما علينا ولنبق في دائرة حوادث الإهمال في آثارنا ومتاحفنا، وغيرها مما يحدث في كل المواقع ابتداء من إهمال الشوارع نظافة وتنظيماً للمرور، ومروراً بحوادث السيارات علي الطرق، والتي باتت تحصد الأرواح حصداً، بل إن هذه السيارات باتت هي الأخري وبكل حمولاتها عرضة للتدمير بفعل القطارات وأثناء عبورها المزلقانات. ويستمر مسلسل الإهمال مع هذه القطارات، فمنها ما يحترق، ومنها ما يصطدم بالآخر، ومنها ما يخرج عن القضبان، والمحصلة عشرات القتلي ومئات المصابين بفعل الإهمال من جانب صغار الموظفين والعمال وكبار المسئولين، يحدث هذا في طول البلاد وعرضها، وبدلاً من البحث عن الأسباب الحقيقية لكل هذه الحوادث لا نجد سوي التنصل من تحمل المسئولية، والكل يلقيها علي الآخر، وإن كان الصغار هم في النهاية الضحية لأخطاء وإهمال الكبار. ولن نتحدث عن سقوط العمارات، وانفجار مواسير المياه، وانقطاع تيار الكهرباء، وغيرها من الحوادث التي تقع ويكون العنصر البشري فيها هو الأساس اهمالاً وتسيباً. ويمكن القول: إن هذا الإهمال وعلي كل المستويات إنما يعبر وبدقة عن فقدان «الانتماء» لموقع العمل، وللمؤسسة أو الهيئة التي يعمل فيها الفرد صغيراً أم كبيراً، وفقدان هذا الانتماء يمتد من أبسط المجتمعات والمواقع والمؤسسات إلي المجتمع كله: أرضاً وبشراً، ومصالح عليا، فالكل يعمل لذاته ولنفسه، ولا يهمه غيره، أو الإخلاص في عمله، وهو الإخلاص الذي من المفترض أن يكون في الصالح العام ولخدمة المجتمع. ومما يزيد من كارثية الوضع تجاه هذا الاهمال، هي معالجته والتغلب عليه بسياسات ردود الأفعال، حيث لا نتحرك إلا إذا وقعت المصيبة، بل إن هذا التحرك يكون بمقدار المصيبة، فيتم إصلاح المزلقان عندما يتم الإطاحة بالسيارات العابرة له، أما ما يتعلق بالأبعاد الأخري والآليات الواجب تنفيذها فلا ينظر إليها. وأيضاً عندما تحدث كارثة علي الطريق يتم عمل «مطب صناعي» في هذا المكان وليس غيره. باختصار ردود أفعال للأفعال التي تقع، كما يحدث حالياً من اغلاق بعض المتاحف، أو البحث عن تأمينها، فأين كنتم يا ولاة أمورنا، والمسئولين عن آثارنا ومتاحفنا. وعن سياسات ردود الأفعال فتش عن كل ما يقع من مصائب وكوارث، بل إن التعامل وفق هذه السياسات يزيد من هذه المصائب والكوارث، ونقول: يا سادة القضية ليست مجرد تبرئة الذمة بعمل شيء مؤقت لمواجهة هذه الحادثة أو تلك، وإنما لابد أن يسبق كل هذا الحركة والفعل وليس رد الفعل، لابد أن تكون هناك سياسات قصيرة وطويلة الأجل لمواجهة أي حدث، لابد أن نعمل وفق «استراتيجيات» أو بتعبير أدق وفق المفهوم «الاستراتيجي» الذي يتوقع الحدث قبل وقوعه، ويضع الحلول القادرة علي المواجهة، والتغلب عليه. ومن قبل ومن بعد ينبغي أن نغرس في الأبناء ومنذ نعومة أظفارهم ثقافة الانتماء والحرص علي حماية المكان والمؤسسة ومن بعد المجتمع، فالإنسان هو العنصر الأساسي في تحقيق الأمن والحد من وقوع الأحداث أياً كان نوعها. والله من وراء القصد