للمرة الأولي في تاريخ الانتخابات النيابية في مصر، يتقدم هذا الكم الهائل من أصحاب المعالي وزراء حكومتنا الرشيدة هذا المصطلح تطلقه مختلف وسائل الإعلام العربية علي حكومتها، وهو مصطلح غير محدد المعالم حيث يري البعض أنها استمرت في الحكم مدة طويلة إلي أن بلغت سن «الرشد».. أو أنها حكومة من «الراشدين».. أي البالغين (!) أو أن المقصود أنها حكومة جاءت».. للترشح لعضوية مجلس الشعب في دورته الجديدة. يأتي هذا التسارع علي الترشيح في إطار الحفاظ علي المقعد الوثير سواء أكان داخل الوزارة أو داخل قاعة المجلس، لا سيما أن هناك أنباء عن حدوث تغير وزاري سيتم في أعقاب الانتخابات البرلمانية المقرر لها نهاية نوفمبر المقبل. ولكن للأسف الشديد أن حكومتنا الرشيدة بعد أن بلغت سن الرشد وأصبح أعضاؤها من الراشدين، فجأة وصلت إلي سن اليأس فكثرت المشكلات وتعددت الكوارث، أصبحت الوقفات الاحتجاجية هنا وهناك سمة من سمات المجتمع، فأصبحت الشكوي علي كل لسان. فمن انقطاع الكهرباء والمياه في معظم المناطق، إلي الإهمال في الحفاظ علي ممتلكاتنا، وإلقاء المسئولية علي الغير.. إلخ. وقد تحدثنا في المقال السابق عن سرقة لوحة زهرة الخشخاش للفنان العالمي فان جوخ (1853 - 1890) من داخل متحف محمد مختار، ومدي ما وصلت إليه درجة الإهمال في الحفاظ علي كنوزنا التي لا تقدر بثمن ومن خلال متابعة مجريات الحادث من وسائل الإعلام، فقد ذكر الأستاذ محمد سلماوي أن الثمن الحقيقي للوحة والذي قدر بنحو 55 مليون دولار كان ذلك من 16 عاما مضت وليس اليوم!! أيضا جاء في تحقيقات النيابة أن معاينة النيابة الإدارية لمتحف محمود خليل كشفت عن أن القاعة المخصصة لعرض لوحتي «زهرة الخشخاش» و«الحياة والموت» - وهما أهم لوحتين بالمتحف - ليس بها كاميرات مراقبة منذ عام 2006 وأن المتحف ليس به إلا أربعة أفراد أمن فقط؟! وأن الكنوز الصغيرة الموجودة داخل المتحف محفوظة داخل دولاب زجاج مغلق بسلك!! أيضا قام السيد وزير الثقافة بزيارة المتحف مع وفد من اليونسكو» إبان بدء الحملة الانتخابية لليونسكو، والتي جرت في سبتمبر من العام الماضي»، ووقف علي الحالة المتردية للمتحف، وفي مارس من العام التالي سأل الوزير المسئولين عن المتحف عن عملية التطوير فوجدها لم تتم!! وغيرها من معلومات بدأت تنكشف تضحك وتبكي في ذات الوقت. نحن لا نستطيع أن ننكر أن لبعض أعضاء حكومتنا الكثير من الإنجازات لكن في نفس الوقت هناك الكثير من الإخفاقات، فلا يعقل علي سبيل المثال ألا تكون وزارة الكهرباء والطاقة ليس لديها علم أن هذا العام سيكون من أشد الأعوام تعرضًا لارتفاع في درجات الحرارة علي معظم الكرة الأرضية، وأن شهر رمضان سيكون في أشد الأيام شعورًا بالحرارة، وبالتالي سيتطلب ذلك زيادة كبيرة في استهلاك الكهرباء وهو ما يمثل عبئًا كبيرًا علي جميع مراكز توليد الكهرباء! أيضا وزارة الري والموارد المائية هل لم تكن هي أيضًا تعلم بذلك فتبدأ في تحصين نفسها لمواجهة أي ظوارئ قد تتعرض إليها نتيجة زيادة الضغط في استهلاك الكهرباء؟ كل ذلك يؤكد أننا نعاني مشكلة في التخطيط والنظر إلي المستقبل القريب، وليس البعيد.. كل مسئول لا يفكر إلا في ذاته فقط فهل يعقل أن وزير الثقافة بعدما شاهد ما وصل إليه الإهمال في الحفاظ علي كنوزنا لم يقم بزيارة «مفاجئة» أو معلنة لمتحف محمود خليل أو غيره من المتاحف للتأكد من أنها مؤمنة التأمين الكافي؟ وبالتأكيد هناك العديد من المواقع الحساسة في الدولة تعاني نفس المشكلة، ودور المسئولين فيها يقتصر علي المكاتبات المتبادلة بينهم البعض، وعندما تقع الكارثة نستمع إلي عشرات المبررات التي لا تشفع لأحد. يبدو أن الحكومات الرشيدة موجودة فقط في عالمنا العربي.. وهذا هو سبب الخير العميم الذي تنعم به بلادنا.. وسبب انعدام المشكلات فيها.. فنحن وحدنا دون العالم أجمع لدينا نمط فريد من الحكومات يسمي ب«الحكومات الرشيدة» وهو ما يؤكد علي «خصوصية واقعنا».. والخير الذي يميل البعض.. والبعض فقط إلي إنكاره.. رغم وضوح كل مظاهر الرشد في أداء تلك الحكومات .. نحن دون اللعالم ننعم بظاهرة «الحكومات الرشيدة». وفي النهاية نتساءل: إلي متي سنعيش في حالة لامبالاة، وإلي متي سنفتقد أبجديات علم الإدارة، لا سيما ما يعرف بإدارة الأزمات. وإلي متي سيكون الكرسي هو السيد بغض النظر عن مصير العبيد؟