من حق الكاتب الاستشهاد بالحكايات القديمة، اسمح لي بممارسة هذا الحق، يقال إن إحدي الزوجات الرديئات الشر برّه وبعيد كان لها عشيق، وأنها لم تكن تكتف بإعطائه نفسها بل كانت تعطيه اللحمة التي كان يرسلها لها زوجها، كان الزوج يرسل لها كل يوم ثلاثة أرطال من اللحم، فتشويها أو تسلقها، بعد ذلك يقوم عشيقها بالتهامها، وعندما يعود الزوج في المساء كانت تقول له باكية: القطة أكلت اللحمة.. تكررت هذه الحكاية، كان من المستحيل علي الزوج أن يفكر في أن زوجته تخونه، ولكن الشك بدأ يساوره في سلوكها، تري من يأكل هذه اللحمة..؟ كان العصر الذي حدثت فيه هذه الحكاية متخلفا من الناحية التكنولوجية، أقصد أنه لم يكن متاحا له أن يقوم بتركيب كاميرات وميكروفونات داخل الشقة تقوم بتسجيل كل ما يحدث فيها، هو علي يقين من أن زوجته تكذب، من المستحيل أن يكون هناك شخص علي هذه الدرجة من الإهمال، من الممكن أن تأكل القطة اللحمة مرة واحدة، أو مرتين، غير أنه من المستحيل، أن يتاح لها ذلك في كل يوم، ولذلك فكر في طريقة مؤكدة يكشف بها هذه المرأة، كالعادة خرج إلي عمله وبعدها بساعة أرسل بالثلاثة أرطال من اللحم، وفي المساء قابلته بنوبة بكاء نادمة وأخبرته بالحدوتة الموعودة وهي أن القطة أكلت اللحم، وهنا نظر الرجل إلي القطة اللعينة وحملها ثم وضعها علي الميزان، فكان وزنها ثلاثة أرطال بالضبط، فقال لها: إذا كانت دي القطة.. تبقي فين اللحمة، وإذا كانت دي اللحمة.. يبقي فين القطة؟ هذا هو أبسط أنواع التحقيق الجنائي في التاريخ، صحيح أن الحدوتة لم تنته باعتراف المرأة بالحقيقة، غير أن السؤال في حد ذاته مصحوبا بالتجربة العملية، يثبت بشكل لا سبيل إلي الشك فيه أن المرأة تكذب وأنها تفتري علي القطة وهو ما يضيق عليها الخناق إلي الدرجة التي تجعل الحصول منها علي اعتراف أمرا لا أهمية له. في كل الأحداث الجنائية هناك لحم وهناك قطة وهناك شخص لانعرفه هو الذي يأكل اللحم وليس القطة.. في هذا العصر أنت تشتري السلعة وتشتري معها وسيلة صيانتها، سواء كانت ساعة أو موبايل أو سيارة أو غسالة أو ثلاجة أو طائرة، أما إذا اشتريت سلعة بغير التزام من الجهة المكلفة بصيانتها فلابد أنك شخص مهزار أو جاهل أو مستفيد من ذلك علي نحو ما.. من المستحيل أن تقوم شركة ما بتركيب أجهزة مراقبة وإنذار في مكان ما بغير تعهد بصيانتها، هذا جزء أصيل من التعاقد، إذا كانت هذه هي الكاميرات فأين الصيانة وإذا كانت هذه هي الصيانة فأين هي الكاميرات؟ اسمح لي أن أقفز الآن قفزة بعيدة لكي أتكلم مع شباب الصحافة عن الحرية، تتكلمون كثيرا عن الحرية وأنها ليست منحة من أحد بل هي حق من حقوقكم الطبيعية، لا بأس.. ماذا فعلتم وماذا تفعلون بها؟ الحرية هي العمل المبدع الشاق الذي يكشف للمجتمع حقائق خفيت عنه، الحرية هي أن تتركوا التحقيق الجنائي لجهات التحقيق، ثم تحققون أنتم في بقية المجالات ذات الصلة، من هي الشركات التي قامت بالتركيب، وماذا كان المبلغ؟ ولماذا لم تلتزم بالصيانة؟ من دفع لمن ومن رفض الدفع لمن؟ وهل هي شركات أصيلة أم هي مجرد توكيلات.. ومن هم أصحابها؟ ما هي حكاية عشرات الملايين التي نسمع عنها؟ الحرية يا سادة هي أن تعملوا وأن تبذلوا جهدا شاقا لكشف الحقائق.