رجال الأعمال .. الاسم الشيك الجديد الذي اطلقه التجار علي انفسهم تمشياً مع الموضة العصرية. وكأن لفظ التاجر اصبح شعبياً اكثر من اللازم ولا يتمشي مع المكانة الاجتماعية التي تحققت لهم بفضل انشطتهم التجارية ومعاملاتهم المالية في كل اوجه النشاط الاقتصادي المختلفة. لكنني في الحقيقة اميل بصفة شخصية الي استخدام اللفظ الدقيق المعبر وهو لفظ "التاجر" الذي يلخص طبيعة نشاطه بدقة ومصداقية، فالبيع والشراء هما مهنته، واقتناص الفرص فيه ربحيته، والفصال والمساومة هما من ادواته لصيد الصفقات. اما عبارة "يفتح الله" فهي العبارة المعتمدة بين تجار البيع والشراء للاعلان النهائي عن فشل اتمام العملية التجارية، او علي نحو اخر، هي الاعلان عن بدء جولة جديدة من المفاوضات وتقديم بعض التنازلات من الطرفين تمهيداً لاتمام الصفقة التجارية والانتهاء منها بالشكل الذي يرضي طرفي البيع والشراء . واذا كانت تلك العبارة الفاصلة في العمليات التجارية المعتادة من بيع لمنزل او سيارة او حتي لقطعة مصاغ، فانها لم يكن لها وجود في العملية التجارية التي تمت منذ اسابيع قليلة مضت، واقصد بها عملية بيع وشراء جريدة الدستور الصحفية. فقد كان هناك اصرار من المشتري علي شراء الجريدة، يقابله اصرار اخر من البائع علي بيع الجريدة، والدليل هو تخفيض ثمن البيع عدة "ملايين" وليست بضعة الاف من الجنيهات .. هذه الصفقة التجارة تطرح اسئلة كثيرة حولها لأنها صفقة عن بيع وشراء اتجاه فكري، وخط صحفي، ومضمون مهني، ورؤية سياسية معينة .. وكل ذلك يؤثر تأثيراً مباشراً في الرأي العام للمواطنين من قراء الجريدة والذين بدورهم يؤثرون في اخرين غيرهم، فهنا في هذه الصفقة بالذات لا يقتصر الاثر فقط علي فرد باع واخر اشتري. وانما يمتد الأثر ليشمل اطرافاً اخري لم يكن لها تواجد في العملية التجارية وهم قراء الجريدة، وما اعرفه عن مشتري جريدة الدستور انه صاحب مجموعة من القنوات الفضائية الخاصة تعتبر الأكثر شهرة بين مثيلاتها لتميزها الملحوظ في اختيار كل عناصرها من معدين ومذيعين يتميز كل منهم بالأداء الحرفي العالي، كما ان المشتري هو زعيم اعرق الأحزاب المصرية في ساحة العمل الحزبي المصري ويرأس مجلس ادارة جريدة الحزب، فما هو الداعي لشراء جريدة صحفية اخري. ومن قراءتي لظروف اتمام هذه الصفقة التجارية ثارت امامي عدة تساؤلات .. هل سيؤثر المشتري الجديد في سياسة صحيفته الجديدة، فاذا اراد صاحب الجريدة الجديد - وهو الذي دفع الملايين لشراء الجريدة - ان يتدخل في السياسة التحريرية للجريدة ووضع تصور جديد لأداء العاملين فيها ليقينه ان من حقه تطوير او تغيير ايقاع العمل بصحيفته التي يملكها نحو هدف زيادة مبيعاتها وتشجيع المعلنين علي حجز مساحات اعلانية علي صفحاتها مما يزيد من ايرادات الجريدة. فهل سيقبل رئيس التحرير والصحفيون العاملون بالجريدة ذلك التصور اذا ما كان مختلفاً عن خطها الصحفي الذي اشتهرت به .. وهل ستتدخل الادارة الجديدة في اختيار العاملين بالجريدة وخاصة الصحفيين المعينيين المنتمين للجريدة لتشارك رئيس التحرير حقه الأصيل في اختيار صحفييه، ومن الذي سيحدد اصحاب مقالات الرأي التي تنشرها الجريدة من الكتاب المتعاونين من خارج الجريدة والتي تعبر كل مقالة فيها عن رأي صاحبها فقط هل ستكون الادارة ام رئيس التحرير .. ومن سيكون له حق اتخاذ القرار في الاستغناء عن مقالات كاتب معين او التعاون مع آخر هل ستكون الادارة ام رئيس التحرير .. لقد فات الوقت الذي كان يمكن فيه اطلاق العبارة المشهورة "يفتح الله" بين البائع والمشتري وتمت عملية البيع والشراء فعلاً، فأصبح للجريدة الصحفية ادارة جديدة تريد ان تمارس حقها في ادارة شئون الجريدة التي تملكها وفق ما تري انه يحقق ربحاً مستهدفاً نظير ما تم دفعه من ملايين ثمناً للجريدة. فهل ستقف الادارة الجديدة للجريدة مع صحافتها وصحفييها ام سيكون هناك وضع اخر لا يعلمه احد حتي الآن، اعتقد ان الاجابة عن هذه التساؤلات سنجدها عند سلم نقابة الصحفيين خلال الفترة المقبلة.. رئيس تحرير مجلة ابطال اليوم الصادرة عن مؤسسة اخبار اليوم