يمثل ترام رمل الإسكندرية حالة فريدة من إهمال يدعو للدهشة، هو وسيلة إذلال للمواطن وطريقة لتحطيم ما بقي لديه من أعصاب، بعد إصابته باليأس من الاستجابة للشكاوي. يقطع الترام «المعجزة» المسافة من محطة الرمل إلي فيكتوريا في ساعة ونصف الساعة في حالة الاستعجال، تصل إلي ما يقرب من ساعتين وقت الذروة. وهي مسافة يفترض ألا تستغرق أكثر من نصف ساعة. الحاصل يا حضرات أن فتوات هيئة النقل العام واسم الشهرة «سواقين الترام» يتعمدون الوقوف في كل محطة أكثر من اللازم والمعقول والمقبول في البداية كنت أظن أن ذلك يحدث فقط أمام الفرن البلدي أو «القهوة» (لزوم الشاي)، أو المطعم، أو بتاع الجرائد (لزوم الثقافة)، أو التحدث مع صديق أو قريبة (واحدة يعني)، خاصة أن المعتاد أن يتابع الراكب لقطات مثل: سائق يقرأ جريدة، وآخر يتحدث طويلاً في الموبايل، وثالث يغالب النعاس صباحاً، مع تموين الإفطار والغداء، ومع التدخين والذي منه. لكن الواقع أكثر إيلاماً..أن الباشمهندس السواق يتعمد الوقوف في المحطات من أجل تجميع الركاب حيث إنه يحصل مع الكمساري علي نسبة من ثمن بيع التذاكر وهي نسبة، تمثل ضعف الراتب وأكثر. هذا وكأن الترام المذكور تاكسي أرياف بالنفر، ولا يهم وقت الناس: مسافر أو مريض أو موظف أو سيدة منزل أو طالب.. المهم العمولة.. والويل للراكب الذي يعترض، وقد شاهدت «سواقاً» منهم يعتدي بالضرب علي طالب جامعي لأن البيه السواق لم يعجبه اعتراض الطالب علي وقوف السائق في محطة مجمع الكليات أكثر من ربع الساعة (اكرر: أكثر من ربع الساعة !!!!) كان الوقت حوالي الثالثة والحر خانق، والترام مثل غيره من وسائل مواصلات عامة لا يعترف بالتكييف أو حتي المروحة، اتذكر أن وحدات ترام دنماركية وصلت منحة مجانية لمدينة الإسكندرية، جري نزع أجهزة التكييف منها علي اعتبار أن راحة المواطن رجس من عمل المواصلات!!. أضحك أن المواطن وهو الذي يدفع للسائق والمحصل وغيرهما: الرواتب والبدلات.. الخ... سواء من ثمن التذكرة أو الضريبة التي يسددها.. ذلك المواطن يسمع في حالة اعتراضه علي التباطؤ المميت في حركة الترام البائس.. يسمع رداً شاعرياً رقيقاً: «لو مش عاجبك انزل خدلك تاكسي حايشترونا بالملاليم اللي بيدفعوها». ويتكرر الرد حيث لا رقابة هناك ولا يتابعون.. المهم المبني الضخم والسادة المدراء ومعهم الخبراء (في التطوير والتحديث والخطط وهلم شعارات مضحكة باعتبارها شر البلية). والملاحظ أن الدكتور الكمساري «من دول» يستنكف ويستكثر ارتداء زي الهيئة، كل واحد يلبس اللي يعجبه والمهم رضا الوالدين. المضحك أيضاً أن الترام يقف في محطة سبورتنج مرتين بينهما حوالي عشرة أمتار لا غير، الأولي في الموقف الجديد والثانية أمام «تندة» آيلة للسقوط منذ سنوات ومحاطة بأسلاك وتحت لافتة: «ممنوع الوقوف أو المرور»، لأن المحطة منهارة تقريباً، يقف إذن لالتقاط راكب أو أكثر، فالرزق يحب «الخفية» بمعني السرعة.. سرعة تجميع الركاب أو ربما البحث عنهم، وليس سرعة الحركة أو الوعي بمصالح البشر أو أرواحهم. هذا وكأن الناس لا يكفيهم تحول بعض محطات ترام الرمل إلي نقطة التقاء المشردين وأطفال الشوارع الذين يعتبرون الترام وسيلة تسلية ممتعة خاصة ومضايقة الركاب والتحرش بالنساء وخطف الحقائب من الأمور المستحبة، هذا مع تحول الأكشاك القائمة علي تلك المحطات إلي احتلال بشع للرصيف يعوق حركة المواطنين. ومن يمر بمحطة ترام الإبراهيمية يري عجباً. والناس يرددون: عليه العوض في وسيلة مواصلات كانت جميلة ذات يوم تحولت إلي عذاب يومي مقيم، دون متابعة، لا من الإدارة في الشاطبي ولا من الحي ولا يحزنون فيما يخص الترام السلحفاة. ترام الرمل إذن يمثل تجسيداً للإهمال وغياب الإدارة وإهانة المواطن، فلا مواعيد هناك ولا التزام بزي، ولا تقدير لمسئولية، ولا احترام لوقت.. ولقطة أخيرة: لم أشاهد في حياتي عربات بهذا البعد عن النظافة، وكان تنظيف العربات من الخارج يحتاج تكنولوجيا، هذا والهيئة مكتظة بآلاف وربما عشرات الألوف من السادة العمال والأسياد المهندسين يعملون جميعاً وبكل همة علي جعل المواطن يكره نفسه، وحتي بات من المعتاد أن نسمع نصيحة تقول: «لو مستعجل روح ماشي أسرع من ترام الرمل». ترام الفشل الذي يجسد فساداً طال الكثير من أمور حياتنا.. بكل الأسي والحسرة.