تجربة "الكوتة الانتخابية" للمرأة في مجلس الشعب تثير كثيرا من التأمل. في الوقت الذي يعتبرها كثيرون بمثابة "رافعة" لتمثيل المرأة في البرلمان، بعد عقود من تجاهلها، وتضاؤل تمثيلها، يري آخرون أنها مثل السجن الذي من المنتظر أن تُودع فيه المرأة. المشكلة ليست في التجربة ذاتها، ولكن في كيفية التعامل معها، ومدي الاستعداد لها. هناك منافسات شرسة علي موقع المرأة "المحدود" في إطار الكوتة، سيدات في حالة تطاحن، وأخريات يسعين إلي الظهور، وآخريات لجأن إلي سلاح التشهير. ما الحكاية؟ القضية باختصار معتادة، وترتبط بآلية العرض والطلب الانتخابي. المقاعد محدودة، والساعيات إلي الترشيح كثيرات، ومن الطبيعي أن تكون المنافسة علي أشدها. وهناك إحساس أن المنافسة ستكون أيسر علي مقعد المرأة، فالقضية لا تحتاج إلي شراء أصوات، وتعبئة ولاءات محلية ضيقة، والركون إلي العصبيات، فالدائرة المخصصة للمرأة وفق نظام الكوتة من الإتساع بحيث تفشل معها الأساليب التقليدية المعتادة في الفوز. وبالتالي فالمسألة كلها تعتمد علي المواقف الحزبية الداعمة للشخصية النسائية المرشحة، وقدرتها علي جذب التأييد لها، لا أكثر. نعود إلي القضية الأساسية، هل الأحزاب سوف تكون من الشجاعة بحيث تقوم بترشيح نساء خارج النسبة المقررة لهن حسب نظام الكوتة؟ لا أعتقد أن الأحزاب سوف تقدم علي ذلك إلا في أضيق حدود. والسبب يعود إلي محدودية المرشحات النساء في السابق، الأمر الثاني الإحساس العام بأنه يكفي المرأة أربعة وستون مقعدا في مجلس الشعب، وبعض ما يتيسر من مقاعد للنساء قد يشملهن القرار الجمهوري بتعيين عشر من الشخصيات العامة. وبالتالي فإن نظام الكوتة وفق هذا الرأي هو سجن للمرأة، الخناقات فيه ستكون بين نساء، وقد نسمع لاحقا في مجلس الشعب من يقول لهن إنكن نساء لا يجوز لكن الحديث في هذا الموضوع أو تلك. ولدينا من أعضاء مجلس الشعب من يستطيع أن يفعل ذلك. نتذكر عبد الرحيم الغول الدورة السابقة عندما قال للسيدة ابتسام حبيب "أنت نائبة مسيحية..." وذلك علي خلفية رغبتها في مناقشة قضية الزواج العرفي والتوثيق، رغم أنها قضت حياتها المهنية في مجال التوثيق والشهر العقاري أي تبوأت موقعا قياديا به. الحل حتي لا تصبح "كوتة المرأة" سجنا لها أولا: تشجيع النساء علي خوض الانتخابات علي المقاعد المفتوحة خارج نظام الكوتة، وأن لا تكف الأحزاب عن ذلك حتي تتحقق الفلسفة الخاصة برفع تمثيل المرأة في البرلمان. ثانيا: أن يبدأ مجلس الشعب من الآن في إنشاء وحدة لدعم المرأة النائبة في البرلمان، بالدراسات، والأبحاث، وتقدير الموقف، والسبب يعود إلي أن تخصيص أربعة وستين مقعدا للمرأة في مجلس الشعب سوف يفتح الباب أمام أعداد كبيرة من النساء لدخول البرلمان لأول مرة مما قد يستدعي معه تقديم الدعم الفني لهن، ومساعدتهن علي تبني الآراء التي تدعم وتعزز المساواة، والحريات، والمواطنة وهي جوهر التمثيل العادل للمرأة في أي مجتمع. يمكن أن يقوم المجلس القومي للمرأة بذلك، ولكن الأفضل أن يفعلها مجلس الشعب حتي لا نسمع لاحقا من يقول إن المجلس القومي للمرأة يتدخل في عمل السلطة التشريعية. في رأيي أن تمثيل المرأة في البرلمان لم يحظ إلي الآن بنقاش صريح، جاد، وواضح يستشرف المستقبل، وأطرف كاريكاتير شاهدته حول تمثيل المرأة للرسام نبيل صادق عندما قال إن من فضائل دخول المرأة البرلمان بتمثيل كبير الحد من الألفاظ الجارحة التي تخترق النقاشات البرلمانية أحيانا، والأهم هو بالتأكيد غياب ظاهرة "نائبات القروض" و"نائبات الكيف" و من عندي أضيف "نائبات العلاج علي نفقة الدولة"!