لا أحد يستطيع أن ينكر شدة الظروف الاقتصادية التي يتعرض لها الشعب المصري وخاصة بالنسبة لمتوسطي الدخل وهي الطبقة التي باتت تتآكل من كثرة الضغوط عليها وأصبحت تصارع حتي لا تفقد وسطيتها وتتحول إلي الطبقة الدنيا المعدمة وطبعا لا تستطيع حتي التفكير في مزاحمة الطبقة العليا والتي تتمتع بكل شيء وحتي هذه الطبقة باتت مهددة أيضا من خسائر البورصة والركود بشكل عام والأزمة الاقتصاية العالمية. في وسط هذا الخضم ارتفعت نسبة العنوسة بشكل كبير حيث وصلت في بعض الاحصائيات إلي 30 بالمائة من نسبة الشابات في سن الزواج ، وفي المقابل أصبح الشباب عازفاً عن الزواج ، وكيف يتأتي له ذلك وهو مطالب بتوفير شقة وتجهيزها . ولا ننكر دور الدولة في محاولة ايجاد سكن بسعر مناسب للشباب من خلال مشروع إسكان الشباب ومشروع ابني بيتك ، ولكن هذه المشاريع تتطلب أيضا موارد مالية ودخلاً ثابتاً لتسديد الأقساط الخاصة بهذه المشاريع . وهذا بالطبع يؤدي إلي تردي كثير من الشباب في ممارسات خاطئة تقوده إلي الانحراف . وطبقاً لكل النظريات العالمية فإن الأسرة هي الخلية الأولي للمجتمع والنواة لخلق مجتمع صالح يدفع بالدولة كلها إلي الرقي والتقدم ومجاراة السباق الحضاري الذي تخلفنا عن ركبه بما يزيد علي 100 عام . ويقول العلماء أن بناء إنسان صالح هو اللبنة الاولي في بناء مجتمع صالح . وحيث إن الكنيسة ليست بمنأي عن كل ذلك فهي عنصر اصيل في تشكيل المجتمع وفي المفهوم الكنسي الكنسية هي جسد المسيح والدور الحيوي والاساسي للأكليروس هو رأب التصدع في هذا الجسد ....يقول القديس يوحنا ذهبي الفم " ما الكنيسة الا بيت مبني من نفوسنا نحن البشر " ويقول عن المؤمن في الكنيسة انه " حب انجيلي عامل لبناء نفسه ونفوس اخوته " ويقول عن الغائبين عن الكنيسة " كم انا مغموم ... يا له من جزء كبير من جسد الكنيسة اشبه بجثة هامدة . وهذا المفهوم يبتعد تماما عن أن الكنيسة هي مجرد مبني وعمدان وقبة ومنارات . أعتقد كل ما سبق هو بديهيات وطرح كثيرا ، ولكن أن يأتي احد الآباء الكهنة وفي كل عظة يعلن عن مشروع الجسد الواحد ، ولأول وهلة اعتقدت أنه يتكلم عن التكافل الاجتماعي وطرح مشروع لتنمية الجسد الواحد - أي جسد المسيح - ولكن هالني ما عرضه ، فهو يتكلم عن إعادة ترميم وبناء وتجديد المنارتين بالكنيسة ، وصال وجال عن اللجان التي تعقد والخبراء الهندسيين الذين يبحثون في كيفية اعدادهما ليخضعا إلي اخر ما توصل اليه علم العمارة من تحديث وتجديد. وطبعا يطالب الشعب بالتبرع وبذل العطاء من اجل ذلك . بحسبة بسيطة - خاصة أنني بغير بعيد عن هذا المجال -هذا المشروع يتكلف ما يقرب من مليون جنيه إن لم يكن اكثر خاصة في ظل ازدياد اسعار مواد البناء بشكل غير طبيعي ، وبحسبة صغيرة اخري هذا المبلغ لو احسن استغلاله يكفي لتسديد 50 مقدم شقة من مشروع اسكان الشباب أو يكفي 20 أسرة لتجهيز شققها بالجهاز الاقتصادي او مائة شاب لبدء مشروع متناهي الصغر بمساعدة وزارة التضامن الاجتماعي . إن بناء الكنائس ضرورة حتي يستطيع الشعب ممارسة صلواته وأسراره الكنسية ، ولكنني أظل في حالة تجديد مستمر للكنيسة ... إعادة الدهان ، تجديد الرخام ، تركيب تكييف ، تغير الارضيات ، تجديد الأيقونات ...... الخ وأصبحت مقولة الصبية في الشوارع «من يتبرع لبناء كنيسة بني الله له قصرا في الجنة» هي الفكر الشاغل لكل كهنتنا ولجان كنائسنا. واصبحت متطلبات الشعب شيئاً غير ذي بال في مقابل قصور الجنة الموعودة لمن يعمر بيوت الله علي الارض . أرجو أن نشارك جميعاً في إبداء الرأي والدعوة إلي النظر إلي شعبنا المقهور بين «ترف القصور وعذاب القبور». ويبقي السؤال بناء المنارتين أم بناء الانسان، ومناسبة هذا المقال، أنني كنت أخدم بإحدي الكنائس، وعرض الكاهن فكرة بناء منارثين فاعترضت وطلبت مساعدة فتاة فقيرة في أمور الزواج، فمنعني الكاهن بعدها من الخدمة. م. ماجد الراهب