تعلمنا من الانتخابات البرلمانية في مصر أن المواطنين ينقسمون إلي مجموعتين: عمال وفئات، الجدير بالذكر أننا لا يمكن أن نتجاهل دور المجموعة الأولي في بناء الوطن وترسيخ دعائمه غير أن فئات المجتمع التي تنتمي إلي الطبقة المتوسطة تعد بمثابة السفينة التي تحمل الوطن إلي بر الأمان وتجعله يتحمل كل الزوابع والاعاصير التي تهب عليه من كل مكان، فهذه السفينة سوف تتوقف عن السير إذا تخلينا عن المدرسين والأطباء والصيادلة والمحامين والقضاة ورجال الأمن، لا نبالغ إذا قلنا إن هذه الفئات وفي مقدمتها القضاة والمحامون، تحملت وتتحمل مسئوليات تاريخية تجاه الوطن، مسئوليات تجعلها ترتفع فوق الصغائر وتتجاوز أي خلافات بينهم. الغريب أننا لم نسمع من قبل عن صراع قد نشب بين فئات الطبقة الوسطي كالأزمة التي تشهدها مصر الآن بين رجال القضاء ورجال المحاماة، وهي في الواقع أزمة لا مثيل لها في أي دولة عربية أو أوروبية، لقد وقعت الأزمة رغم عمق العلاقة بين الفئتين ورغم قوة الارتباط الوظيفي بينهما، لاشك أن دور كلتا الفئتين يأتي مكملا للآخر في تحقيق العدالة التي لا يمكن أن نشعر بها إذا لم يتوقف الصراع بينهما. من المؤكد أن معظم الصراعات الفئوية التي تدور رحاها علي أرض مصر يمكن تشبيهها بالنار التي تنشب في غرفة صغيرة من المنزل ثم تمتد للغرف الأخري، ويعلم الجميع أن الأزمة حدثت بين المحامين والقضاة بدأت بين شخصيتين في غرفة في محكمة طنطا ثم سرعان ما اتسعت رقعتها لتنال المحاكم من أقصي الشمال إلي أقصي الجنوب، كان من الممكن أن يقتصر الخلاف علي المستوي الفردي لكنه امتد وأمسي صراعا محتدما بين فئتين من أهم فئات المجتمع، وهاتان الفئتان منوط بهما تحقيق العدالة واحقاق الحق والسهر لكي لا يتحول المجتمع إلي غاية يلتهم فيها الكبير الصغير ويطحن القوي عظام الضعيف مما يهدد السلم الاجتماعي. لعل القانون المصري يحمل في طياته المواد التي تضمن عدم تكرار مثل هذه الأزمات بين فئات المجتمع عامة وبين جناحي العدالة خاصة حيث تشير المادة 133 عقوبات إلي أن كل من يعمل في الحكومة أو في الأجهزة القضائية يعتبرون موظفين عموميين وتضفي هذه المادة الحماية علي كل موظف عام أوأي إنسان مكلف بخدمة عمومية أثناء تأدية وظيفته ويعاقب بالحبس أو الغرامة كل من يتعرض إلي الموظف العام، وهذه هي المادة التي ارتكزوا عليها عند الحكم علي المحاميين المتهمين بالاعتداء علي مدير نيابة طنطا، وكذلك تنطبق لفظة موظف عام علي هذين المحاميين اللذين كانا يؤديان عملا عاما في موقع الأحداث حيث زعما أنهما تعرضا للسب والضرب داخل مكتب مدير النيابة وزعما أن مدير النيابة نفسه اعترف بواقعة الضرب أمام جمع من رجال النيابة والمحامين. ونحن علي يقين أن النيابة كونها من أنزه الهيئات ومعروف عنها الحيدة والموضوعية لا يمكن أن تتستر علي أحد أعضائها إذا ثبتت هذه الاتهامات. من المسلم به أن المجتمع سوف ينهار إذا استمر الصراع بين الفئات حيث تحرص كل فئة علي أن يكون لديها وضع متميز داخل الوطن، وفي ظني فإن الجميع يجب أن يدرك أن الامتيازات التي تتمتع بها فئة من الفئات هي في الأساس لصالح المجتمع وليس لصالح فئة بعينها، أما في حالة قيام شخص ما بإساءة استخدام هذه الامتيازات فإن ذلك معناه أن هذا الشخص غير حريص علي مكانه وسمعة الفئة التي ينتمي إليها وهذا يتطلب تدخل المسئولين لوضع نهاية للتصرفات غير المسئولة، والسؤال: متي نتبني شعار القانون فوق الجميع؟ ومتي تدرك أن لكل فئة من الفئات دور مهم تؤديه في المجتمع ولا فضل لفئة علي فئة أخري إلا بقدر احترامها للقوانين؟