بمناسبة ثورة يوليو، أقامت الإدارة المركزية لدار الكتب أمسية شعرية لواحد من أهم الشعراء المصريين، الذي احتضنت أشعاره الثورة، وهو الشاعر والكاريكاتيري الراحل صلاح جاهين، وذلك في إطار النشاط الثقافي للمكتبات التابعة لإدارة الكتب. قال الدكتور عبد الناصر حسن الذي قدم الندوة: جاهين واحد من ثلاثة هم من صنعوا مجد ثورة يوليو الإعلامية، فعبد الحليم حافظ مطربا، وكمال الطويل ملحنا، وصلاح جاهين شاعرا، وهم ثالوث الثورة، ينضم إليهم بعض الأشخاص كالأبنودي وغيره، وهؤلاء صنعوا بالفعل وجداننا الثقافي في فترة من أصعب فترات التاريخ المصري. عندما ننظر لكتابات جاهين نجد أنها كتابات بسيطة جدا فنحاول أن نقلدها فلا نستطيع؛ لأن تركيبة وشكل أشعاره تحمل عمقًا وتفكيرًا في الإنسان. وأكد الناقد الدكتور مدحت الجيار أن صلاح جاهين هو أحد معجزات مصر، فنحن مهما نقرأ لهذا الرجل متعدد المواهب، فإننا نقف عند المحطة الرئيسية له وهي شعر العامية المصرية، كما أنه أمتعنا لسنوات طويلة برسومه الكاريكاتيرية في مجلة روزاليوسف وجريدة الأهرام، وهو أيضا صاحب السيناريو والحوار في المسلسلات التليفزيونية. هو الزجال، المسرحي، وصاحب النكتة والدهشة وأشياء أخري كثيرة، لكنه يظل الشاعر ذلك الثوب الكبير الذي يحتوي كل هذه التفاصيل والخصائص، والأمر الغريب أن يتحول من مجرد شاعر عادي إلي شاعر الثورة المصرية، وأيضا أمر غريب أن يكون تلميذا نجيبا لبيرم التونسي ثم يتحول إلي طريق يختلف الكثير عنه. وذكر الدكتور مدحت الجيار أنه حينما عومل جاهين بعنف من بعض رجال الثورة المعتقل، أرسل له الرئيس جمال عبد الناصر أحد أصدقائه كي يطمئن عليه، وأفرج عنه بعدها الرئيس جمال عبد الناصر، وبعدها آمن جاهين بعبد الناصر، وتحول صلاح جاهين إلي نبض الثورة المصرية، فهو المؤرخ الشعري الغنائي لها، كما أن رغبه جاهين في ذلك جعله يغير في شكل القصيدة المصرية؛ حيث تعامل مع النص الشعري ببساطة، فغيره وجعله ليس كما كان يكتب الشعراء في تلك الفترة. وأشار الدكتور مدحت الجيار إلي أن جاهين متوازي مع بيرم وفؤاد حداد، ولا يجد جاهين أستاذا له في النهاية سوي حداد، ولا يجد زجالاً يسنده إلا بيرم التونسي؛ ولذلك بدأ الكتابة الشعرية التي أرخت الثورة من بداية أول انتخابات مصرية نجح بها عبد الناصر، ولم يتصاغر جاهين أمام الحاكم رغم قوته، فنجد قصائده للثورة أحيانا تخرج من عبد الناصر إلي شعب مصر، وكان جاهين يؤرخ أحلام المصريين للحاكم بعبقرية، وهو يعلم أنه هذه الأحلام لا تتحقق بسهولة، لكنه كان يلقي في روع الحاكم بخياله أمنيات حلم الشعب بوطن مختلف. ونوه الجيار إلي أن السخرية التي كانت في كل أشعار جاهين تتحول في الرباعيات إلي سخرية حكيمة؛ حيث استرجع الحكيم المصري الشعبي القديم، الأراجوز، الحرفوش وابن البلد والفلاح الفصيح، وتكاد رباعياته أن تكون زجلا، أو لغة تلقائية شعبية، فهو يصوغ لنا الحياة في شكل رباعية، كما أضاف للمسرح المصري الكثير ب"الليلة الكبيرة" وبأعماله المسرحية بشكل عام، أما قمة أعماله التي تظل في وجدان الشعب المصري فهي الرباعيات.