عزيزي القارئ تخيل ما أراه في تشكيل مجلس أمناء لحكم مصر ولقد سبق للبعض من شيوخ الرأي محاولة تسويق الفكرة خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين وفي ظل غياب القوي المعارضة في العمل السياسي من بين تلك الأحزاب التي لا يعرفها أحد غير بعض الأعضاء الذي يتساوي عددهم مع عدد ركاب أي أتوبيس في الأقاليم هذا بخلاف الحزب الحاكم لديه ما يقرب من مليوني عضو، تلك الأحزاب لم تنجح في جذب الناس إلي صفوفها بل لم نسمع عنهم سوي أخبار الشقاق والطلاق والنفاق التي تتشكل فجأة ثم تتفرق فجأة أو أي جبهة من الجبهات لا يكاد المواطن التمكن من تتبع فعالياتها في ميدان السياسية أو حتي في ميدان الألفي بعضها له أسماء وعناوين غريبة؟!، تخيل أيضًا إدارة الدولة علي الطريقة الجماهيرية التعبوية الشعبية من خلال مجلس أمناء أو جمعية للتغيير لأن هذا المقترح بعيد عن طبيعة أهل مصر حيث لا نعرف كيفية العمل الجماعي ولا نرغب فيه من الأصل بل نفضل الحركة التي تبعد بنا عن أنوار النقد وأضواء المواجهة، وليس في قاموس العمل العام مصطلح روح الفريق أو تقسيم المسئولية وتحديد الأدوار ولكن المسألة تخضع لمفردات الفهلوة ولذلك نجد أن الأداء الفردي البعيد عن المساءلة هو أفضل الأشكال لأي عمل، لذلك فإن طبيعة الأشياء في مصر لا يصلح لها أي مجلس، خذوا مثلا كيف تسير حركة المجالس المحلية والقومية والشعبية والتشريعية وحتي الوزارية جميعها يعاني من بعض الأعطال المختلفة نتيجة لتضارب الآراء والمصالح والاختصاصات مع غياب وحدة الهدف، هذا الكلام من قبيل الاستقراء لردود الأفعال التي تنطلق من تلافيف عقول هذا الشعب، فنحن لسنا أبدا من المتقبلين للعمل الجماعي أو ديمقراطية الرأي ولكننا اعتدنا علي تلقي الأمر وتنفيذه دون تردد أو نقد من هو علي المنصة ولم أجد أسلوبا راقيا للحوار بل يضيع وقت الحاضرين في إسكات بعضهم البعض. صحيح أن الكل يرغب في التغيير ولكنه لا يعمل علي تغيير ما لديه من أوجه النقص ولكن يود تغيير أشخاص الآخرين فقط واختفاءهم من الصورة وليس تغيير أسلوبهم في العمل ولذلك نحن في حاجة إلي انتهاج طرق جديدة في الأداء السياسي والوظيفي والمهني وفي حاجة إلي الابتكار والإبداع ومنح الكفاءات الفرصة للعمل وتشجيع المواهب من الطفولة للمدرسة للجامعة حتي محيط العمل، وتوجيه الاستثمار نحو ما يفيد المجتمع بدلاً من التنقل بين الأنماط المستوردة من تجارب الآخرين، ولابد من العزم والحزم في العمل أيا كان حيث إن المجاملة بين الناس لا تمنح أي تقدم، صحيح أن الكل يتطلع للأحسن والكل يبغي المعيشة الأفضل والكل يأمل في البعد عن مواضع الضعف والتخلف والحقيقة أن في مصر الكثيرين من العقول المستنيرة والشخصيات الجديرة بالاحترام ولكنها بعيدة عن العمل العام وعن العمل التطوعي وعن خدمة الجماهير لأسباب متعددة أبسطها أن في مصر تركيبة خاصة للممارسة السياسية قلما تجدها في الدول المستقرة ديمقراطيا ومنها توازن القوي بين الحكم والمعارضة ومنها أيضًا وجود مساحة واضحة لعمل المستقلين بالسياسة ومنها أيضًا التفاعلات اليومية من جميع القوي والأحزاب السياسية ممثلة في صراع البرامج وليس صراع الحناجر؟! أخشي أن أقول إننا مازلنا بعيدين كل البعد عن تحقيق نوع من المواءمة السياسية المعقولة حتي يتغير ما بأنفسنا كما أن دوام الحال من سابع المستحيلات، ثم هل سيختلف مجلس الحكماء عن مجلس الوزراء ولابد أن نعترف أن ذلك التفكير محكوم عليه بالمعاناة، والخوض في تفاصيل تكوينه ضرب من الخيال، الشيء الوحيد المأمون والمأمول هو تقوية الكيانات الحزبية من بين أفراد هذا الشعب. كاتب وأستاذ جامعي