لا يمكن أن يمر موضوع التوقيت الصيفي دون أن أدلي بدلوي فيه باعتباري مواطنا مصريا فرضت عليه الحكومة أن يبحث كل فترة عن التوقيت الذي يتعامل علي أساسه وأن يضبط ساعته البيولوجية ليتوافق مع قناعات الحكومة بأنها تعمل من أجل مصلحته حتي لو لم يعرف المواطن مصلحته، أو لأنه إذا اعترض فليس لأسباب موضوعية وإنما لأنه لا يعرف كيف يُحكم ولا يقدر ما تقدمه الحكومة من جهد كي تحكمه. يوم الثلاثاء المقبل ستكون نهاية العمل بالتوقيت الصيفي وبداية العمل بالتوقيت الشتوي دون أن تهل علينا أي نسمات باردة وإنما في عز الحر بمناسبة بدء شهر رمضان وحتي لا يشعر الناس بأنهم يصومون فترة طويلة! أي تهريج هذا؟ أعرف أن الأمر يتعلق بقانون ينبغي تطبيقه وأن تغيير الأمر وإلغاء «تهريج» تغيير التوقيت يحتاج إلي قانون جديد لكن هل كل القوانين مفعلة ومعمول بها وتحترم من الحكومة قبل المواطنين؟ ولماذا تغير الحكومة القوانين التي ترغب في تغييرها وتتعنت إذا ما أراد مواطن تغيير قانون لا يري فيه مصلحته، إنها المهزلة المضحكة في أن يتعامل الناس وكأنهم في الشتاء وهم لا يجدون مفرا من الحر والرطوبة والشمس المحرقة، وإلا فلتسمه الحكومة التوقيت الرمضاني مثلاً.. عمومًا وجدت نفسي أبحث في شبكة الإنترنت لأدقق أصل الحكاية التي «مسكت» فيها حكومتنا وأبت ألا تتركها دون منطق أو هدف إلا تعذيب المواطن وبهدلته وشحططته وهي أمور عادية، فالتعذيب والبهدلة والشحططة أمور من واجب الحكومة أن تمارسها علي مواطنيها.. وجدت أن الأمريكي بنجامين فرانكلين أول من طرح فكرة التوقيت الصيفي عام 1784م، لكن لم تصبح الفكرة جدية إلا مع بداية القرن العشرين عندما طرحها البريطاني ويليام ويلت لكن البرلمان البريطاني رفض مشروع قانون بتطبيق التوقيت الصيفي عام 1909، ثم صارت الفكرة واقعًا مع بداية الحرب العالمية الأولي عندما رغبت الدول المتحاربة في توفير الطاقة وكانت ألمانيا أولي الدول التي طبقته وتبعتها بريطانيا.. وعلي ذلك فإننا نسير خلف أوروبا والدول المتقدمة ورغم ذلك لم نتقدم لأننا بكل بساطة نأتي إلي «الهايفة» دائمًا ونتصدر.. وللأمانة فإن دولا أخري ما زالت حتي الآن تتبع نظام التوقيت الصيفي في الصيف والشتوي في الشتاء لأسباب مختلفة، لكننا البلد الوحيد الذي يطبق التوقيت الشتوي في الصيف حتي نطبق الحكمة «وكم ذا بمصر من المضحكات» لتكون واقعًا وليس مجرد كلام والسلام وكي يبقي لنا ميزة التعامل الحصري مع التوقيت المصري.. بحثت أكثر في الإنترنت ووجدت أن تغيير التوقيت في مصر يضر بالساعة البيولوجية للإنسان التي تقوم بتنظيم وظائف الجسم المتباينة كالنوم والتمثيل الغذائي والسلوك، لكن حكومتنا لا تجد أن مسألة النوم الطبيعي الهادئ مهم لدي المواطن المصري فهو من وجهة نظرها «يتخمد» في أي ظروف، كما أن حكاية التمثيل الغذائي لا تعني المواطن لأنه أصلا لا يأكل ما يغذيه دائمًا ومع ذلك يعيش، أما قضية السلوك فمجرد «كراكيب» إذ إن سلوك المواطن لن يرضي الحكومة أبدا تماما مثلما لا يرضي المواطن عن سلوك الحكومة وأخطائها، ولا تنظر الحكومة بالتالي إلي ساعة بيولوجية ولا ساعة سيكولوجية، فهذه أمور تخطاها الزمن وتعتبرها الحكومة من بين الخزعبلات التي يتشدق بها بعض الذين يحرضون ضدها وضد أفعالها، أو هؤلاء الحريصون علي القراء والتعليم والتثقيف، وكلها أيضا أمور لا محل لها من الإعراب وتدخل في باب الرفاهية غير الضرورية أو التي تضر أصحابها أحيانا.. أما أطرف ما ورد حول مسألة التوقيت فجاء في دراسة ألمانية ذكرت أن اضطراب الساعة البيولوجية للجسم يؤدي إلي ارتفاع ضغط الدم وبالتالي الإصابة بأزمات القلب والجلطات ويسبب أضرارًا بالغة للكليتين، وبما أن الشعب المصري لديه أسباب أخري تصيبه بضغط الدم، كما أن التلوث الذي يعيش فيه يؤدي إلي انسداد الشرايين وبالتالي حدوث الجلطات، ولأن هناك مشاكل في المياه ونوعية الأغذية أفضت إلي انتشار الفشل الكلوي «ميجيش بقي» علي الساعة البيولوجية والتوقيت الصيفي أو التوقيت الشتوي.. وعاش التوقيت الصيفي في الشتاء وليبق لمصر تفردها بين الأمم ولنفخر بأن التوقيت المصري في رمضان أمر حصري لا يتمتع به إلا المواطن المصري.