لايزال حي الحسين أكثر المناطق التي أشعر فيها بجو رمضان ورغم كل الزحام والدوشة التي تتزايد كل عام أحرص علي الذهاب إليه علي الأقل مرة واحدة كل رمضان فهناك أماكن صارت مرتبطة بمناسبات بعينها ومهما تبدلت أحوالها فأنها تظل وجهتك وأول ما تفكر فيه حينما تحل المناسبة وحينما اذهب إلي الحسين في وقت آخر غير رمضان أشعر أن هناك شيئاً ينقصه أو غائب عنه أشعر بأنني أزوره في وقت غير مناسب مثلما تفاجئ شخصا بزيارة دون موعد سابق وفي أوقات لا يتوقع فيها أحد الزيارات ويستقبلك مضطرا ومتمنيا أن ترحل سريعا فحي الحسين لا يكون بكامل حضوره وتأثيره إلا في هذا الشهر أما وجوده في بقية الشهور فمجرد ظل تراه ولا تتبين ملامحه ولا أتحمل الزحام ولا أتقبله إلا في الحسين في رمضان ومدينة الإسكندرية في الصيف بالنسبة للحسين قد لا تطيق الزحمة والدوشة لكنك وسط كل هذا تعيش الجو الرمضاني وتشعر به في كل شيء حولك دون أن تري حتي حبال الزينة تشعر بهذا الجو سواء في روائح المكان بخوره وتوابله وعطوره وفي مقاهيه وأزقته وحواريه الضيقة التي تفضي بعضها إلي بعض ومعايشة احتفالات بعض الطرق الصوفية لكن الجو الرمضاني يظهر أيضا في الذكريات المرتبطة بالمكان والتي يرويها كل من يصطحبونك فيتذكرون أول مرة أتوا فيها إلي الحسين وأبرز ذكرياتهم عن سهراتهم فيه ويقارنون بين حاله الآن وحاله منذ سنوات فهو مكان حي داخل كل منا وله ملامح تتشكل حسب كل واحد في الصحبة كما أنه يبتعث في زواره عادات غير معروفين بها فتجد مثلا من لا يملكون عادة الجلوس في المقاهي يقصدون أحد مقاهيه ويجلسون فيها براحة رواده الدائمين وقد يفاجئك أحدهم وهو ينادي القهوجي باسمه الذي مازال يتذكره من العام الماضي وتشتد سعادته حينما يتأكد من صحة الاسم ويتبادل مع القهوجي حوارا سريعا مثل أي زبون دائم الحضور والقهوجي بخبرته يتعامل معه كأنه مازال يتذكره ويعرف طلباته التي يقبلها الزبون حتي لا يخيب ظن القهوجي وحتي يكتمل طقس جلوسه الرمضاني في المقهي. ومازلت استمتع بالبقاء في حي الحسين حتي الفجر فالضوضاء والازدحام يخف والجو يصير أجمل وتحسن بنسائم الفجر المنعشة وتصل إليك ابتهالات صلاة الفجر والأذان والدعاء التي كلما استمعت إليها بالقرب من مسجد الحسين أتذكر سماعي إليها في الراديو وأنا صغير خاصة في الفترة التي كنت أحاول أن أثبت للكبار قدرتي علي عدم النوم والصمود حتي السحور فقد بدأت صلتي بالمكان بدأت من خلال الراديو من خلال نقل شعائر صلاة الفجر علي الهواء مباشرة من مسجد الحسين التي كانت تترد أصداؤها في ميكرفونات المساجد المحيطة بالبيت ومعها يتردد صوت المذيع وهو يحسب كم يوما انقضي من رمضان وكيف تمر أيامه سريعا داعيا الله أن تكون كل أيام العام رمضان وحينما تقطع ميكروفات المساجد النقل المباشر وتنطلق أصوات المؤذنين يتضح الفرق الشاسع بين الصوت هناك في الحسين والأصوات التي تحيط بنا. باستثناء حي الحسين لا أتحمس كثيرا إلي الخروج في رمضان إلي أماكن أخري خاصة التي يتم بعثها وتزيينها وتجميلها وإقامة الخيام فيها بمناسبة رمضان وإذا ذهبت إلي مكان منها وهذا نادر جدا فبسبب تشجيع الأصدقاء أو لأن هناك أمسية غنائية تستحق عناء الخروج فمشكلتي مع هذه الأماكن أنها رغم تناثر اللافتات والأشكال الرمضانية وربما الإعلانات التليفزيونية عنها إلا أنها أشبة بالمسيرات التي تحشد لتأييد زعيم أو لاستقباله ونثر الهتافات حوله وانفضاضها فور رحيله أو مروره بالمكان.