ما زال حي الحسين أكثر المناطق التي أشعر فيها بجو رمضان. ورغم كل الزحام والدوشة التي تتزايد كل عام أحرص علي الذهاب إليه علي الأقل مرة واحدة كل رمضان. فهناك أماكن صارت مرتبطة بمناسبات بعينها ومهما تبدلت أحوالها فإنها تظل وجهتك وأول ما تفكر فيه حينما تحل المناسبة. ولا أتحمل الزحام ولا أتقبله إلا في الحسين في رمضان ومدينة الإسكندرية في الصيف. بالنسبة للحسين قد لا تطيق الزحمة والدوشة لكنك وسط كل هذا تعيش الجو الرمضاني وتشعر به في كل شيء حولك دون حتي أن يتم تعليق حبال الزينة. تشعر بهذا الجو سواء في روائح المكان: بخوره وتوابله وعطوره، وفي مقاهيه وأزقته وحواريه الضيقة التي يفضي بعضها إلي بعض ومعايشة احتفالات بعض الطرق الصوفية. لكن الجو الرمضاني يظهر أيضا في الذكريات المرتبطة بالمكان والتي يرويها كل من يصطحبونك، فيتذكرون أول مرة أتوا فيها إلي الحسين وأبرز ذكرياتهم عن سهراتهم فيه ويقارنون بين حاله الآن وحاله منذ سنوات. فهو مكان حي داخل كل منا وله ملامح تتشكل حسب كل واحد في الصحبة. وما زلت أستمتع بالبقاء في حي الحسين حتي الفجر، فالضوضاء والازدحام يخف والجو يصير أجمل وتحس بنسائم الفجر المنعشة، وتصل إليك ابتهالات صلاة الفجر والأذان والدعاء التي كلما استمعت إليها بالقرب من مسجد الحسين أتذكر سماعي إياها في الراديو وأنا صغير وبخاصة في الفترة التي كنت أحاول فيها أن أثبت للكبار قدرتي علي عدم النوم والصمود حتي السحور وكنت فور انتهاء شعائر صلاة الفجر في الراديو أحس أنني نجحت في التحدي قبل أن أروح بسرعة في النوم. باستثناء حي الحسين لا أتحمس كثيرا للخروج في رمضان إلي أماكن أخري وبخاصة التي يتم بعثها وتزيينها وتجميلها وإقامة الخيام فيها بمناسبة رمضان. وإذا ذهبت إلي مكان منها - وهذا نادرا جدا - فبسبب تشجيع الأصدقاء أو لأن هناك أمسية غنائية تستحق عناء الخروج. فمشكلتي مع هذه الأماكن أنها رغم تناثر اللافتات والأشكال الرمضانية وربما الإعلانات التليفزيونية عنها فإنها أشبة بالمسيرات التي تحشد لتأييد زعيم أو لاستقباله ونثر الهتافات حوله وانفضاضها فور رحيله أو مروره بالمكان.