هل المرأة في مصر مازالت تحمل إرثًا ثقيلاً من المفاهيم الخاطئة التي تنتقص حقها الطبيعي والدستوري في المساواة؟ وهل التطور الذي لحق بالمجتمع المصري، لم يصل إلي الدرجة التي نتقبل بها المرأة في مناصب النيابة العامة والقضاء ومجلس الدولة؟ وما المعايير التي يتبناها القائمون علي مسألة التعيين في الهيئات القضائية؟ وما هو دور المؤسسات التربوية والتعليمية والإعلامية في مصر تجاه ذلك؟ هذه مجموعة من التساؤلات طرحتها دراسة حديثة صادرة عن المركز العربي لاستقلال القضاء والمحاماة بعنوان «المرأة والقضاء» بدعم من الاتحاد الأوروبي حيث تضمنت أعمال حملة المركز بشأن تمكين المرأة من تولي القضاء جراء الأزمة الأخيرة. أحدث استطلاع وعلي الرغم من اكتمال أهلية المرأة الثقافية والسياسية التي أسفرت عن توليها العديد من المناصب والوزارات والتمثيل البرلماني في المجالس التشريعية إلا أنها لاتزال ممنوعة من تولي القضاء لأسباب غير معروفة حيث استشهدت الدراسة في إطار الإشارة إلي التقدم في الموروثات والعادات الاجتماعية بأحدث استطلاع للرأي أجرته وحدة قياس الرأي العام بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة والذي كشف عن تأييد 61.1% من العينة المشاركة في الاستطلاع لتولي المرأة منصب رئيس الجمهورية في حين رفض 36.7% توليها لبعض المناصب في القضاء. الشريعة والمواثيق الدولية وأشارت الدراسة إلي موقف كل من التشريعات الدولية والوطنية وكذلك الشريعة الإسلامية من تولي المرأة القضاء حيث أكدت أن المادة (10) من مبادئ الأممالمتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية تنص علي أنه يتعين أن يكون من يقع عليه الاختيار لشغل الوظائف القضائية أفراد من ذوي النزاهة والكفاءة وحاصلون علي تدريب أو مؤهلات مناسبة في القانون».. في حين حددت المادة (73) من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 47 لسنة 1972 شروط التعيين بمجلس الدولة وأبرزها أن يكون مصريًا وحاصلاً علي درجة الليسانس من إحدي كليات الحقوق وأن يكون حسن السمعة. وأوضحت الدراسة أن هناك 11 دولة عربية و39 دولة إسلامية لا تحول بين المرأة وتولي القضاء مؤكدة أنه لا يوجد في نصوص الشريعة الإسلامية ما يحول بين المرأة وحقها في تولي الوظائف العامة بما في ذلك وظيفة القضاء إضافة لما ورد في كتاب «بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع» للإمام الكسائي والذي يقول إن الذكورة ليست شرط من شروطًا تقلد منصب القضاء لأن المرأة من أهل الشهادات. حجج واهية المثير أن الدراسة تضمنت أيضًا عددًا من ورقات العمل التي تحمل في طيها آراء للعديد من الكتاب والمتخصصين تجاه هذه القضية حيث حددت أميرة بهي الدين المحامية بالنقض من خلال ورقتها بعنوان «المعوقات الواقعية أمام عمل المرأة بالقضاء» مجموعة من الحجج الوهمية التي يتمسك بها المجتمع للترويج لرفضه لاشتغال النساء بمثل هذا العمل السيادي الخطير حد تعبيرها تتمثل في ادعاء الرحمة بالنساء لأن العمل القضائي عمل شاق إضافة لعاطفية المرأة وشدة انفعالها وكذلك الطبيعة البيولوجية لها والنظرة لها علي أنها مثيرة للرغبات والإغواء. وتري أميرة أن هذه الحجج عارية من سندها الحقيقي لأنها تتجاهل الممارسة الواقعية لإسهامات النساء في جميع المجالات داعية لضرورة إزالة جميع هذه المعوقات بتغيير في النسق القيمي الاجتماعي وبمساندة مثقفي الأمة. اشتراط الذكورة بينما تحدثت د. سعاد صالح عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر السابقة عن تولي المرأة القضاء من النظرة الشرعية قائلة إن الشريعة الإسلامية في معالجتها لقضية المرأة وضعت أصلاً عامًا وهو قاعدة المساواة في الإنسانية بين الرجال والنساء والتكريم بينهما «ولقد كرمنا بني آدم» مشيرة إلي خلاف الفقهاء بشأن اشتراط الذكورة فيمن يتولي منصب القضاء لأنهم يشبهون الأخير بالإمامة الكبري ويحتاج إلي كمال العقل مستشهدين بالحديث الصحيح عن نقصان عقل المرأة معتبرة أن ذلك لا يجوز وفيه تجاوزات كثيرة، مضيفة أن المحرم علي المرأة أن تخلو برجل أجنبي غير محرم لها والقضاء لا يعرضها لهذه الخلوة. تجربة أولية من جانبه، لفت المستشار إيهاب السنباطي القاضي بالمحكمة الابتدائية إلي أن المرأة عندما تحصل علي فرصتها بالعمل في القضاء فلن تحرم رجلاً من هذه الفرصة وإنما ستأخذ مكانها الطبيعي قائلاً إن التطبيق لا يجب أن يكون فوقيًا من القمة إلي القاعدة بل لابد من تضافر الجهود المجتمعية لمناصرة هذا الحق مقترحًا تعيين القاضيات في بداية الأمر في محاكم الأحوال الشخصية كتجربة أولية وكذلك الاختيار من بين أكفأ العناصر في النيابة الإدارية. دور الإعلام فيما شددت إقبال بركة رئيس تحرير مجلة حواء من خلال ورقتها بعنوان «دور الإعلام في دعم قضية عمل المرأة المصرية بالقضاء» علي أن اهتمام الإعلام المقروء بالموضوع فاق اهتمام الإعلام المسموع والمرئي اللذين كان بإمكانهما لفت أنظار المواطن العادي وكسبه بالبرامج والحوارات الحية والدراما حيث إن القضية برمتها لم تشغل إلا المثقفين علي حد وصفها.