يقول الأستاذ أحمد حمروش: "ولم تكن للمجلة ميزانية (؟!) ولم يكن في إدارة الشئون العامة من وسائل تسمح بإصدارها، ( ذهبنا) إلي دار الهلال حيث «التقينا» الأستاذ إميل زيدان الذي رحب بإصدار المجلة من دار الهلال علي أن يتم الحساب بعد التوزيع وأرسل «لنا» أحمد أبو الفتح الأستاذ عبد الله عبد الباري رجل الإعلان الأول في جريدة المصري، استقر (رأينا) علي أن تكون المجلة باسم التحرير وذلك قبل شهور من تشكيل هيئة التحرير، وبدأنا العمل ليل نهار فريقا متجانسا لا نكاد نغادر دار الهلال إلا إلي منازلنا للنوم فقط، وفي 16 سبتمبر1952 كان العدد الأول يخرج من المطبعة". هكذا، بغير ميزانية، وبعد شهر واحد من انتقاله إلي القاهرة، استطاع هذا الضابط الشاب أن يجمع حوله كل هذا العدد من الموهوبين، صحيح أنه حصل علي موافقة الزعيم علي إصدار المجلة، ولكنه عمل بعد ذلك باستقلالية كاملة، حتي اختيار الاسم، كل ذلك لا يشعر الزعيم الثوري بالارتياح أو الطمأنينة. أعود للمذكرات. " حملت العدد الأول إلي جمال عبد الناصر في مبني القيادة في مبني كوبري القبة، وبعد أن تصفحه طلب مني أن أعرضه علي زملائه الموجودين في مبني القيادة.. «ولا كلمة شكر واحدة، ولا كلمة مجاملة بعد هذا المجهود الشاق، وإلا كان حمروش ذكرها، من المستحيل علي الإنسان أن ينسي كلمة شكر أو مجاملة يوجهها له الزعيم» وسمعت منهم آراء متباينة يؤسفني القول إن بعضها كان سطحيا وغير موضوعي، فعدت إلي جمال عبد الناصر قائلا: أرجو أن تنقذني من زملائك. وابتسم ابتسامة عريضة وهو يقول: إذن نشتريها غدا من الباعة. الزعيم يعرف مسبقا ردود الفعل عند زملائه، ولكنه كان يريد أن يدلق ماء باردا يطفئ به فرحة حمروش. من حق الزعيم أن يقول اذهب إلي زملائي، ولكن ليس من حق مخلوق أن يقول له انقذني من زملائك، كما قال له حمروش، هذا اتهام لهم بالجهل، وهو ضمنا اتهام للزعيم بأنه يستعين بالجهلة، هكذا نستطيع أن نفهم بسهولة جملة « إذن نشتريها غدا من الباعة» وهي جملة غريبة لا تعني موافقته علي العدد الأول كما لا تعني اعتراضه عليه ولكنها بالتأكيد لا تعني أنه متحمس له، وهو أمر ينذر بخطر قريب. أعود للمذكرات " فوجئت بزيارة أنور السادات ومعه اليوزباشي جمال الليثي في عصر أحد الأيام وهو يقول مخففا حديثه بضحكة: يقولون إن المجلة حمراء. وأشار إلي لوحة اختارها حسن فؤاد وقال ضاحكا: هل هذه حمامة السلام؟ وقلت لأنور السادات: حمامة السلام رسمها بيكاسو.. ولكن الحمامة التي رسمناها هي حمامة زغلول ، وهو نوع من الحمام المصري. السيد حمروش هنا يحاول الإفلات بالمجلة من تهمة الشيوعية، فالحمامة رمز للسلام، والمعروف في ذلك الوقت أن حركة السلام العالمي كان يحمل لواءها الشيوعيون، الواقع أن الرسامين المصريين المحترفين والشعبيين رسموا في لوحاتهم وعلي جدران بيوت الفلاحين كمية من الحمام أكثر من تلك التي أكلوها. لا شك أن عبد الناصر بعد أن حكي له السادات الحوار الذي دار بينه وبين حمروش عن الفرق بين حمامة بيكاسو والزغلولة المصرية، لا شك أنه قد استدعي في ذهنه علي الفور تلك الأغنية الشهيرة..أستاذ حمام نحن الزغاليل..لابد أنه فكر أن هذه الزغاليل الماركسية في مجلة التحرير، ستنمو لها أجنحة قوية عما قريب فتميل عن الخط الثوري وتطير بعيدا عن سيطرة الحركة المباركة.