قيل إن هناك تعليمات سرية بتخفيض استهلاك المحافظات من الطاقة الكهربائية بنسبة 50%. وما تردد أنه سري، وأبلغ إلي الوزراء والمسئولين المعنيين بشكل سري، صار ملء السمع والبصر بعد نشره في الصحف، وبعد أن فوجئ المواطنون بحالة الظلام الجزئي التي تجتاح البلاد. ونقلت الصحف عن اللواء محمد عبدالسلام المحجوب وزير التنمية المحلية، مطالبته المحافظين ب"تخفيض الإضاءة العامة بالطرق وداخل المدن بنسبة 50%، مؤكداً أن نسبة الإضاءة الحالية ضعف المعدل الدولي. ودعا إلي التشديد علي مسئولي الإضاءة في كل المباني الحكومية بتخفيف الإضاءة نهاراً قدر الإمكان، والتأكد من إطفاء كل أنوار المباني عدا النوبتجية ليلاً، مطالباً بتقديم تقرير حول الالتزام بهذه الضوابط كل شهرين، لعرضه علي رئيس الوزراء. وذكر مسئولون بوزارة الكهرباء أن القرار يخفض استهلاك المنشآت الحكومية والإنارة العامة بنسبة 50%، ورغم ذلك سيبقي الاستهلاك أعلي من المعدلات العالمية، مع عدم المساس بإنارة الكباري والأنفاق والميادين والطرق الرئيسية. انتهي ما تناقلته الصحف. وبقيت هناك جملة من الأسئلة تحتاج إلي إجابة: 1- ما المؤسسات الحكومية التي يجري تخفيض الإضاءة بها؟ 2- ما الشوراع التي سوف تخفض الإضاءة بها؟ 3- ما مدي التكامل في دراسة هذا القرار؟ هل شاركت فيه كل الوزارات والجهات المعنية أم أنه مجرد قرار فوقي لم يخضع لمناقشة؟ حاولت أن أجد إجابة عن هذه التساؤلات وغيرها فلم أجد، المشكلة تتعلق بغياب الشفافية، واعتبار المواطن كماً مهملا. القضية التي تهم المواطنين بأسرهم دون تمييز تدوولت في أوساط الحكومة عبر خطابات تحمل "سري للغاية"، ولا أعرف علي وجه اليقين ما السرية في ذلك، ثم عندما خرجت المسألة إلي الإعلام لم نجد جوابا شافيا عن طريقة تطبيق القرارات السرية، وهو ما يعني أحد أمرين: إما أن هناك رغبة في التعتيم علي المواطنين، مثلما يجري تعتيم الشوارع جزئيا، وإما أن القرار اتخذ، ثم يجري تطبيقه بشكل عشوائي، وربما مزاجي حسب رغبة الشخص صاحب القرار علي المستوي المحلي. الأكثر أن هناك حوادث وقعت بالفعل جراء ذلك. أتصور لو أن لدينا حكومة تحرص علي التواصل مع المواطنين أن تعلن مسبقا عن الشوارع التي يجري تخفيض الإضاءة بها، وأن يكون ذلك بالتبادل، وفق مواعيد معروفة ومعلنة، وذلك حتي يتكيف الأفراد مع الأمر. ربما يختار البعض تعديل خط سيره، وقد يحتاط المارة جراء ذلك. ولكن فرض العتمة بطريقة سرية علي المواطنين، وعندما يعرفون تصدر لهم إجابات من قبيل لن ينطفئ النور عن شارع بأكمله أو سيجري تخفيض الاستهلاك في المصالح الحكومية، إلي آخره، فهذا أمر لا يشفي غليل الناس. وفي كل الأحوال فإن مشاركة المواطن في مثل هذه المبادرات التي تهدف إلي ترشيد استخدام الطاقة أمر مهم. فإذا كانت الحكومة تستطيع تخفيض إضاءة الطرق والأماكن الحكومية، فما المانع في فتح حوار مجتمعي حقيقي مع المواطنين، بما قد يحثهم علي تبني ذات الاتجاه في حياتهم الخاصة: في أشغالهم، ومنازلهم، إلخ. هذا الأمر يدخل في صميم الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطن في أي مجتمع، ولا ينبغي تجاهلها. ولا أعتقد أن تطوير المجتمع أو ترشيد استخدام الطاقة أو حتي التخلص من القمامة في الشوارع من الممكن حدوثه إذا ظل المواطن متلقيا سلبيا لقرارات حكومية سرية أو نصف شفافة.