بعيدًا عن الموضوعات والقضايا المطروحة علي جدول أعمال قمة الاتحاد الإفريقي التي تستعد للانطلاق بعيد أيام في أوغندا، فإن هذه القمة تمثل نوعًا من الخصوصية بالنسبة لمصر من حيث مكان الانعقاد ومن حيث التوقيت. فمكان الانعقاد في إحدي أهم دوائر الاهتمام المصري بجميع مشتملاته وهي دائرة «حوض النيل» والتي تمثل أوغندا إحدي حلقات «عنقوده» المكون من أوغندا، إثيوبيا، تنزانيا، رواندا، بوروندي، كينيا، الكونغو الديمقراطية، إريتريا - تتمتع بصفة مراقب في مبادرة حوض النيل -، السودان، مصر. ويأتي توقيت هذه القمة بعد فترة من العمل الدءوب والجهد المتواصل من الدولة المصرية بجميع مؤسساتها وبالأخص من المؤسسة الدبلوماسية لنزع فتيل أزمة توقيع بعض دول الحوض علي اتفاق منفرد لتقاسم مياه النيل وهو الحدث الذي شكل أولوية للرأي العام المصري وسيطر علي اجتهاداته منذ توقيعه وإلي الآن والذي تأتي المفارقة بأن المدينة التي استضافت هذا التوقيع كانت مدينة عنتيبي «الأوغندية». ويمكن القول أنه علي مدار تلك الفترة القليلة الماضي استطاعت الإدارة المصرية الناجحة للأزمة بإزالة حالة التوتر التي خلفها التوقيع علي اتفاق عنتيبي والذي رفضته مصر ولاتزال رفضًا قطعيًا وتعددت محاور «التكتيك» المصري في هذا الأمر بزيارات متبادلة مكثفة علي مختلف المستويات وأدارت مصر أسلحتها الناعمة فلم تحجب مساعداتها للأشقاء في حوض النيل وواصلت تقديم المنح والبرامج لتأهيل كوادرهم وأدخلت الاستثمارات المصرية وفتحت الباب أمامها في أسواق حوض النيل ودعمتها لمواجهة الشركات الصينية والأمريكية والأوروبية لخلق مصالح اقتصادية مباشرة مع دول حوض النيل لتمثل «عصبًا» جديدًا في التخاطب والتعامل بما يمكن من تجاوز أي خلافات طارئة أو «سحابة صيف» قد تخيم علي العلاقة الأزلية الرابطة بين دول حوض النيل حتي ولو كانت هذه «السحابة الصيفية» بحجم اتفاق عنتيبي. وبالتأكيد فإن هذه التحركات المصرية لم تنطلق من نقطة «الصفر» ولكنها استغلت رصيدًا هائلاً من العلاقات المتشابكة وحضورًا مميزًا لمصر في جميع دول حوض النيل.. وإذا كانت أوغندا هي موطن الحديث فيمكن القول أن العلاقات بين القاهرة وكمبالا شديدة التميز علي جميع المستويات بدءًا من القيادة السياسية في كلا البلدين بين الرئيس مبارك والرئيس موسيفيني، ويسجل التاريخ أن الرئيس مبارك هو أول رئيس مصري يقوم بزيارة أوغندا وهي الزيارة التي تمت في يناير 2008 . وتتواجد مصر اقتصاديًا في أوغندا بسبع عشرة شركة مصرية وصلت حجم استثماراتها إلي مليار جنيه مصري، وفي مجال الدعم الفني تقول الأرقام إن مصر وعن طريق الصندوق المصري لدعم التعاون الفني مع إفريقيا التابع لوزارة الخارجية والذي يوليه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط دعمًا واهتمامًا خاصًا، فقام الصندوق بتمويل تدريب ثلاثمائة كادر أوغندي خلال الخمس سنوات الماضية في مجالات الشرطة والدبلوماسية والزراعة والقضاء والصحة والتمريض والاستراتيجية وأوفدت أكثر من «25» خبيرًا مصريًا لأوغندا من أطباء وأساتذة جامعات ومتخصصين في مجالات متنوعة، وقدم الصندوق العديد من المساعدات والمعونات للشعب الأوغندي وكان أهمها وقفة مصر بجانب الشعب الأوغندي في أعقاب الفيضانات التي ضربت أوغندا عام 2007 وعند حدوث كارثة الانهيارات الأرضية بشرق أوغندا في فبراير الماضي التي أعقبها افتتاح الجناح المصري بمستشفي «إيتوجو» الأوغندي والذي أمدته مصر بجميع المعدات والأطباء.