لا يهتم المواطن المصري بشكل عام سوي بالحالة الاقتصادية، والمشاكل المتعلقة بالحياة اليومية، وهي في مجملها تتعلق بالوضع الاقتصادي، وتتلخص في الأسعار.. وهذا الاهتمام من المواطن العادي لا يقتصر علي المصريين بل يمتد ليشمل العالم كله، إذ تتحدد النظرة السياسية بالاقتصادية.. ففي الولاياتالمتحدة مثلا تقاس الأسعار بالعقود السابقة ويتم التركيز في تلك المقارنات علي متوسط أسعار المنازل، والسيارات، والبنزين، واللبن، والبيض، وطابع البريد!! ولا تختلف الحال في أوروبا كثيرا وإن كانوا يضيفون إلي المقارنة أسعار الملابس! إذن الأسعار بالنسبة للدخل الأسري هي ما يهم المواطن من تقييم أداء حكومته ومن نظرته السياسية بشكل عام.. وغالبا ما تنحصر إجابة أي سؤال يتعلق بمشاكل المواطنين بواحدة من نوعين من المشاكل: الأسعار أو الخدمات.. أما العناوين الكبيرة للصحف، وأجواء السياسة الخارجية، ورياح الانتخابات القادمة، والدستور والقوانين، فلا تهم المواطنين بالدرجة الأولي ما لم يكن لها أثر مباشر علي الحالة الاقتصادية لهم. وفي عصر يتسم بالبراجماتية بكل صورها، وتطغي فيه المادة والممتلكات علي تفكير البشر في كل مكان حتي ولو أظهر بعضهم اتجاهات روحانية، أو ميولا شكلية للتدين، لا يتبقي سوي المعيار الاقتصادي لتقدير الأشياء والأعمال والبشر وأيضا الحكومات.. وفي زمن يشتري به المال معظم البشر بمواهبهم وعقولهم وإمكاناتهم، لا يوجد ما لا يقاس بالمادة.. وطالما أن الانتماء قد تحول إلي مصطلح قديم أثري لا يستخدم سوي في وصف شخصيات تاريخية، ولا ينطبق علي مواطن في بلده، أو لاعب في ناديه، أو حتي فرد في أسرته، فلماذا نتعجب من أدوات القياس الحديثة؟ وحيث إن هذه المقاييس قد صارت واقعا نعيشه، فلابد أن تكون المشكلات الإقتصادية علي أولويات قائمة الأجندات الحكومية.. وينبغي أن تتصدرها الأسعار بداية من أسعار الطعام وكل المواد الغذائية، وأسعار الدواء، مرورا بأسعار التعليم والصحة والمياه والكهرباء، وحتي أسعار الاتصالات بأنواعها.. وقبل وأثناء وبعد كل هذه السلع والخدمات، تأتي أسعار البنزين الذي تعتمد عليه زيادة كل الأسعار.. وحتي كتابة هذه السطور لم يتم الإعلان عن زيادة أسعار الوقود في مصر.. ولكن الجميع يتوقع ذلك وبخاصة بعد أن أعلنت بعض دول الخليج زيادة بلغت 15% في أسعار الوقود. وفي انتظار زيادة الأسعار يقوم التجار من الشطار برفع أسعار بعض السلع قليلا قبل إعلان زيادة سعر الوقود.. وذلك حتي تتوافر لهم فرصة الزيادة الثانية بعد الإعلان عن أسعار الوقود الجديدة.. وإذا لم تتم زيادة أسعار الوقود فقد فاز هؤلاء التجار بالزيادة الأولي عملا بالقول الشائع (أتغدي به قبل ما يتعشي بي)!! أما المواطنون المنتظرون فهم يقومون بالآتي: شراء الصحف أو متابعة القنوات التليفزيونية لتلقي الخبر حال تقرير الزيادة.. وشراء مواد تموينية وتخزينها علي قدر المستطاع.. وملء السيارة (full tank) في كل مرة يتناقص عداد البنزين 5 لترات.. وإطلاق النكات. هل تعلم الحكومات تلك الأعراض التي تصيب المواطنين؟ بالتأكيد تعلمها.. ولكن ماذا تفعل لتواجهها؟