لعلّكم لاحظتم، لقب " كبير العلماء العرب" الذي يمنحه أحمد المسلماني صاحب برنامج الطبعة الأولي،للعالم المصري الدكتور أحمد زويل يبدو أنّه لايوجد شيء يستحقّ الوقوف عنده، يتحمّس المذيع لشخص أو رأي، أو ينقم ويغتاظ من آخرين،فيؤلّف من الألفاظ ما يحلو له . يستخدم العبارات في التمجيد، أو الذمّ، يأخذ دور المعلّم أو المرشد أو الموبّخ لقومه، يتناول قصاصة ويرسم لنا، وأنتم مطّلعون علي بقية الصورة، والأمر برمّته الذي يبدأ بمسائل تبدو عارضة، يقحمنا في موضوع المعرفة والجهل. زويل ومعه المئات - كما يحب هونفسه دائما أن يشير ويذكر - من العلماء المصريين يتوزّعون بين جامعات العالم، يبصّرنا في جهلنا، الانتباه إلي تكوين زويل وصعوده وهي نفس القصّة لكثير من عقولنا المهاجرة في رأيي له أهمّية قصوي يجب أن نبدأ بها، لن أكرّر ماكتبته ونشرته من قبل عن عقولنا الأولي بالرعاية والظروف الصعبة والطاردة التي واجهتها ولاتزال تواجهها . وأنا أدقّ هذه السطور، تلقيت إشارة تنبيه بالاتصال بمن يريد أن يتحدّث إلي علي الكمبيوتر،ويا للمصادفة !لقد كان عالما مصريا شابّا أسعدني بسؤاله عنّي، وأبلغني بأنّه في لشبونة ليلقي ورقة بحث أمام مؤتمر في علوم الكمبيوتر يحضره ثلاثة آلاف من جميع أنحاء العالم، يضطرب بالضرورة في قلب المصريين الذين تعلّموا وازدادوا علما، شأنهم شأن أمثالهم في مختلف بقاع الأرض أنّهم مثل " فاوست" (الشخصية الرئيسية في مسرحية الفيلسوف يوهان جوته ) كان يعاني أشدّ المعاناة من الرغبة غير المحقّقة لكلّ عالم حقيقي والذي أنشدها فاوست: أن يعرف أي ّقوي قد تكون ..تلك التي تحفظ وحدة هذا العالم، زويل ويعقوب وفاروق الباز وغيرهم آلاف يقرّبوننا من هذا الهدف غير المحقّق، أتحدّي شاشاتنا وصحفنا أن تكون قادرة علي وضع شباب علمائنا في دائرة الضوء مثلما هم موجودون في كتيبات المؤتمرات التي يلقون أمامها بأبحاثهم، وجرائد العلم التي ينشرون بها،ومنهم من يراجع أيضا مايستحقّ أن ينشر ومايستحقّ أن يقبل بالمؤتمرات العالمية والمحلية، لاتنتظروا حتّي يظهروا عليكم كما ظهر زويل، وقد نقلوا العالم خطوة إلي الأمام ! ليت المسلماني لايطيل عند استخدام عبارات التفخيم،ينطبق عليه قول الشاعر :وإن امرأ مدح امرأ لنواله (أو الاستظلال بمجده و شهرته بعد أن حصل زويل علي نوبل) وأطال في ذلك، فقد أطال هجاءه، استميح الإعلامي عذرا أنّ لقبه لايضيف شيئا ذا نفع،وبالتحديد علي العالم الذي نودي عليه لتسلّم جائزة نوبل باسم الرجل الذي دحض الزمن وخلعت عليه جامعات عالمية الدكتوراه الفخرية، وانظر إلي الفرق بين من يمتلك الكفاءة علي التقييم عالي الثقافة، في مجمّع منح جائزة نوبل،وبين لهجة الطنطنة والألفاظ والألقاب الجوفاء علي شاشاتنا والتي تتقلّب غالبا بين المديح أو الذمّ، إنّه الفارق بين من يعي تواضع العلماء،وبين من يريد أن يخضعهم إلي متطلّبات وأهداف سياسية وأخلاقية تتباين وتتقلّب كلّ يوم في حلقات الطبعة الأولي. ثمّ إن كبار العلماء جميعا لايغرّهم الثناء، إنّهم يدركون أن ّأي حلّ لمشكلةعلمية يثير مشاكل جديدة في حاجة إلي حلّ، يقول نيوتن عن نفسه: أنا لاأعرف كيف أبدو للعالم،لكنّني أبدو لنفسي كما لوكنت طفلا يلهو علي شاطئ البحر، يطرب بين الحين والآخر،إذ يجد زلطة أنعم أو صدفة أجمل، بينما يمتدّ أمامي محيط الحقيقة المجهول الهائل أمّا أينشتين فقد اعتبر نظرّيته للنسبية العامّة شيئا مثيرا قد ينسي بعد حين، وكما تدلّ محاضرات زويل التي استمعت إليها، فأهمّ ماتشير إليه هو تبصيرنا بأفضل ما لدينا من مناهج للحصول علي المعلومات عن أنفسنا وعن جهلنا، ثمة اختراق جديد يعتمد علي مفاهيم جديدة، يسمح لأول مرة برؤية أصغر الأشياء داخل الذرة من خلال تقنية جديدة، يطلق عليها "الميكروسكوب رباعي الأبعاد " وإنّه لأمر يثير البهجةبحيث نلفظ هذه اللهجة الشوفينية البغيضة " كبير العلماء العرب" ومن المؤكّد أنّ هذا اللقب ليس من أسباب اهتمام العالم بأحمد زويل من جامعة «كالتك» التي تقود العلم في العالم المعاصر إلي مجلّة ساينس، ولاتزال رغبة زويل الأكيدة هي المضي في أبحاثه من أجل كلّ البشر .