لا يمل خالد مشعل من الحديث عن أن سبب تعطيل المصالحة الفلسطينية هو فيتو امريكي - اسرائيلي عليها، وأن «حماس» مستعدة لهذه المصالحة لكن «فتح» ليست مستعدة لها بسبب هذا الفيتو. لكن ذلك لا يعدو أن يكون سوي محاولة من حركة حماس لإخفاء نواياها الحقيقية تجاه المصالحة ورفضها اتمام هذه المصالحة.. وانها ذريعة للتنصل من التوقيع علي ورقة المصالحة للبدء في تنفيذ هذه المصالحة علي أرض الواقع. نعم هناك فيتو أمريكي وايضا اسرائيلي ضد المصالحة.. لأن واشنطن مازالت تعتبر حماس منظمة ارهابية وليست حركة تحرير وطنية، ولا تقبل الاعتراف بها الا اذا اعترفت باسرائيل، او علي الاقل اعترفت بالاتفاقات التي وقعتها السلطة الفلسطينية مع الاسرائيليين.. اما اسرائيل فهي تريد بقاء هذا الوضع الحالي للانقسام الفلسطيني كما هو لأنه يجهض حلم اقامة دولة فلسطينية ويجعلها تتنصل من التزاماتها تجاه هذا الأمر. هذا هو نصف الحقيقة التي يروجها خالد مشعل وقادة حماس.. لكن النصف الآخر مما يروجه اكاذيب، لأن مصر رغم علمها بهذا الفيتو الامريكي الاسرائيلي ضد المصالحة لم تتوقف عن السعي لاتمام هذه المصالحة التي ستضمن لحماس مشاركة في السلطة الفلسطينية وادارة الاراضي الفلسطينية، ومشاركة في منظمة التحرير الفلسطينية، وقبل ذلك مشاركة في الحكومة المؤقتة التي ستجري الانتخابات. لقد مضت مصر قدما من أجل تحقيق هذه المصالحة غير عابئة بالفيتو الامريكي - الاسرائيلي ضدها، وكادت تتحقق بالفعل هذه المصالحة لولا أن تراجعت حركة حماس عن التوقيع علي الورقة المصرية في الوقت الذي كان محددا للتوقيع.. في البداية تذرعت حركة حماس بأنها لا تستطيع أن توقع بسبب ملابسات وظروف تأجيل مناقشة تقرير جولدستون والضجة التي أثيرت حوله، وطالب قادة الحركة بتأجيل التوقيع شهراً.. ثم أعلن قادة الحركة انهم لن يوقعوا لأن الورقة المصرية للمصالحة تضمنت بنودا لم يتم التوافق عليها بين الفصائل، وأنها لم تتضمن كل ما تم التوافق عليه.. اذن الذي عطل المصالحة هو حماس وليس الفيتو الأمريكي والاسرائيلي. كما أن مصر مستعدة رغم هذا الفيتو، حتي الآن لإستقبال قادة حماس للتوقيع علي ورقة المصالحة في أي وقت.. وبعدها سوف تسعي مصر لمناقشة آليات تنفيذ المصالحة مع كل الفصائل الفلسطينية، وهي المناقشة التي يمكن ان يؤخذ خلالها في الاعتبار ملاحظات حماس وملاحظات بقية الفصائل حتي يتم مراعاتها في التطبيق، وحتي لا يتعطل تنفيذ المصالحة.. لكن حماس التي سبق أن وافقت علي الورقة المصرية حينما زار خالد مشعل القاهرة في الخريف الماضي - هي التي تعطل بالفعل المصالحة الفلسطينية، ومازالت ترفض حتي كل المحاولات التي تبذلها اطراف فلسطينية عديدة لإقناعها بالتوقيع علي ورقة المصالحة.. وحتي عندما قيل لهم لا اعتراض علي أي تفاهمات بينكم وبين فتح حول آليات تطبيق المصالحة وحول ملاحظاتكم قالوا: لابد أن تكون هذه التفاهمات مكتوبة وتلحق بالورقة المصرية للمصالحة. أما عن السلطة الفلسطينية التي قالوا ان رئيسها خضع للفيتو الامريكي ضد المصالحة، فإن ابومازن لم يرضخ للتهديدات الامريكية بوقف المساعدات للسلطة الفلسطينية اذا ما مضي في هذه المصالحة علي أساس الورقة المصرية، بل علي العكس تماما فانه ارسل مبعوثا من فتح للتوقيع علي هذه الورقة المصرية للمصالحة بعد هذه التهديدات بيومين. وهكذا نصف ما يروجه مشعل وقادة حماس حول الفيتو الامريكي ضد المصالحة حقيقي.. لكن النصف الآخر أكاذيب.. فلا مصر تأثرت بهذا الفيتو ولا السلطة الفلسطينية ايضا. وهذه الأكاذيب هي محاولة للتغطية علي فيتو آخر ضد المصالحة الفلسطينية.. فيتو ايراني، لأن هذه المصالحة سوف تدمج حماس في الحركة الفلسطينية بعيدا عن التأثير الايراني أو بالأصح الاستغلال الايراني لها باعتبارها احدي الأوراق التي تستخدمها إيران في تسوية مشكلة ملفها النووي، وأيضا في ترتيب أوضاع النفوذ الإقليمي لإيران.