فيلم Newyork«نيويورك» هو ثاني الأفلام الهندية التي تتناول علاقة الشرق بالغرب بعد أحداث 11 سبتمبر، التي يتم عرضها تجاريا في الصالات المصرية.. وكان الفيلم قد عرض من قبل في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الماضية. وكان رأيي فيه أنه فيلم جيد ومتماسك، وأنه - مع نماذج أخري أبرزها فيلم «اسمي خان» الذي تناول علي نحو قوي ومؤثر أحداث 11 سبتمبر أيضا - هذه النماذج تحتوي علي ملامح بوليوودية هندية وهوليوودية أمريكية معا، مزيج مختلف أعتقد أنه يمكن أن يفتح آفاقا كبيرة أمام الفيلم التجاري الهندي الذي وصل إلي أسواق الشرق ولكنه لم ينجح في دخول أسواق أوروبا وأمريكا، من الفيلم الهندي التقليدي ستجد فكرة تحويل كل حدوتة - ولو صغيرة - إلي ملحمة طويلة، وستجد الايقاع السريع والاقتصاد في تعبير الممثلين دون المبالغات المسرحية التي تطبع أيضا الأغنيات الهندية مع سمات ميلودرامية واضحة، ولكن من الفيلم الأمريكي التجاري ستجد الفيلم الهندي، حتي توظيف الأغنيات الهندية أكثر ذكاء، بحيث لا يوقف تطور الأحداث ولكن يعمقها وقد يدفعها للأمام عندما تصاحب الأغنية مشاهد «الفوتو مونتاج»التي تكثف الزمن والتفاصيل. فيلم «نيويورك» الذي أخرجه «كبير خان» لا يختلف كثيرا عن فيلم «اسمي خان» في إدانة ما حدث للقادمين من الشرق بعد أحداث 11 سبتمبر، يقول الفيلم إن الحكومة الأمريكية انتهجت سياسة خاطئة في مواجهة ما أطلقت عليه الإرهاب، هذه السياسة ستزيد من الإرهاب لأن الضغط يولد الانفجار. وإذا كان بطل فيلم «اسمي خان» يتعرض لضغوط نفسية بالأساس فإن الأمر يتطرق في «نيويورك» إلي عمليات التعذيب ضد المشتبه فيهم في معتقل «جوانتانامو» الشهير الذي نجح المخرج في التصوير بداخله لمدة ثلاثة أيام بتعاون السلطات الأمريكية وفي الفيلمين معا: «نيويورك» و«اسمي خان» هناك توازن في عرض الرؤية. هناك أمريكا التي أخطأت ولكن هناك الرجل الذي يشكو إلي الرئيس الأمريكي هذا التمييز، إذا كان «بوش» علي خطأ فنحن نأمل أن يكون «أوباما» علي صواب، في «نيويورك» تحديدا سيتعرض المهاجرون للتمييز، وسيتم إرسال أحد أبطال الفيلم إلي «جوانتانامو»، حيث يعذب. سيتم قتله هو وزوجته، ولكن ابنهما لن يغادر أمريكا، يقول الفيلم بوضوح إن ما حدث هو جملة اعتراضية في علاقة هذه الدولة الإمبراطورية بالمهاجرين، وليس هناك دلالة أقوي من أن الطفل سيرعاه مهاجر من أصل آسيوي هو نفسه الذي تولي التحقيق مع المهاجرين الآخرين المشتبه بهم، ويلعب هذا التوازن في العرض دوره علي صعيدين: الأول فني حيث ينقذ الفيلم من مشكلة التنميط والأبيض والأسود التي تعتبر إحدي كوارث الفيلم الهندي التقليدي..والثاني تجاري لأن الفيلم يتوجه بذلك إلي شرائح أوسع من المشاهدين: المتفرج المسلم أو الشرقي عموما سيجد فيه تعبيرا عن معاناته بعد 11 سبتمبر، والمتفرج الأمريكي سيتجاوب معه لأنه يخاطب فيه انتهاك القيم التي قامت علي أساسها أمريكا باعتبارها وطن المهاجرين الباحثين عن الحرية. لا يعني ذلك بأي حال أن «نيويورك»، فيلم كامل الأوصاف، فمازلت أعتقد أن طول المساحة الزمنية يلعب ضد تأثير الفيلم الهندي، طول الفيلم أو قصره ليس أمرا مطلقا ولكنه يرتبط عضويا بالفكرة والمعالجة، فما يمكن أن تقوله في ساعة ونصف لا يمكن أبدا أن يقال في ساعتين ونصف، وما يستحق أن نقوله في ثلاث ساعات يصبح من الخطأ أن نختزله في ساعة ونصف، أساس التقييم هو مدي احتمال المعالجة حتي لا تصبح كل حدوتة ملحمة طويلة عريضة، وفيلم «نيويورك» - رغم تماسكه النسبي - كان سيصبح أقوي وأكثر تأثيرا لو تم ضغط وقته. الأمر الثاني أن المخرج «كبير خان» حرفي بارع يمتلك أدواته جيدا، ويحسب له إدارته لممثليه الأربعة ببراعة لاستخراج أفضل ما لديهم، ولكنه لم يتخلص بعد من «لزوميات» الأفلام الهندية مثل التوظيف المراهق للحركة البطيئة التي امتلأ بها الفيلم «كبير خان» مشروع مخرج كبير لو استكمل الطريق إلي نهايته بالعمل في هذه المنطقة بين الفيلم التجاري والفيلم الفني.. بين عناصر السينما الهوليوودية.. وتراث سينما بوليوود الطويل. أبطال الحكاية أربعة هم الأصدقاء الثلاثة الهنود الذين يدرسون في جامعة «نيويورك»: «عمر» و«سمير» و»مايا»، والبطل الرابع هو المحقق الأمريكي من أصول آسيوية «روشان» الذي يلعب دوره ممثل هندي قدير حقًا وباذخ الحضور هو «عرفان خان». يبدأ الفيلم عام 2008 عندما يتم القبض علي «عمر» بعد أن عثرت المباحث الفيدرالية الأمريكية علي أسلحة في سيارة التاكسي التي يملكها. يتولي التحقيق معه «روشان» لنكتشف أن السلطات لفقت هذه القضية كوسيلة للضغط علي «عمر» حتي يتعامل معهم في الإيقاع بصديقه «سمير» الذي تشك السلطات أنه إرهابي، ويكتمل المثلث عندما يعرف «عمر» أن صديقه «سمير» تزوج زميلتهما الجميلة «مايا»، وأنهما أنجبا طفلاً اسمه «دانيل». نعود في «فلاش باك» طويل يحكي علاقة الأصدقاء الثلاثة، ثم يتابع السيناريو عودة «عمر» للتعرف بأصدقاء الماضي، ويتماسك البناء الشائق لتحديد ما إذا كان «سمير» إرهابيا بالفعل أم أن السلطات الأمريكية تريد تلفيق قضية له كما فعلت مع «عمر». «الفيلم مُهدي إلي 1200 تم اعتقالهم في جوانتانامو مع لوحة تسجل في النهاية قرار إغلاق السجن». رسمت الشخصيات إلي حد كبير بصورة مقنعة، فالممثلون الثلاثة: كاثرين كيف في دور «مايا»، و«جون إبراهام» في دور «سمير»، و«نيل نتين موكيش» في دور «عمر» يمتلكون الحضور والموهبة، كما أن «عرفان خان» يمثل مركز ثقل حقيقيا في البناء. ورغم أن «روشان» يستوعب أن حكومته تصرفت بشكل سيئ بعد كارثة 11 سبتمبر، فإنه يمثل في الفيلم الباحث عن الحقيقة. وإذا كان «سمير» سيتورط بالفعل في الإرهاب، فإن الفيلم يرجع ذلك إلي القبض عليه وتعذيبه في سجن «جوانتانامو» في تعبير مباشر للغاية عن فكرة أن محاربة الإرهاب بأسلوب يخلو من العدالة هي أقصر الطرق لتفريخ المزيد من الإرهابيين. ويتكرر هذا المعني من خلال اهتمام «مايا» التي تتابع الحقوق المدنية للمتعتقلين - بحالة «زيلجاي» الذي دمر نفسيا بسبب اعتقاله. والحقيقة أن حالة «سمير» وحالة «زيلجاي» قدمتا بدرجة واضحة من التبسيط، قرار التحول إلي إرهابي أكثر تعقيدًا - فيما أظن - بفكرة الانتقام الشخصي، ولكن عمومًا لا بأس علي الإطلاق في النتيجة النهائية رغم النهاية التي أتاحت قتل «سمير» وزوجته «مايا» معًا علي يد رجال المباحث الفيدرالية لمجرد أن يتولي «عرفان» رعاية «دانييل» ابنهما الصغير، وينفتح الباب أمام جيل جديد من أبناء المهاجرين يستمتعون بمعاملة أفضل في أمريكا. أما العلاقة العاطفية بين الأصدقاء الثلاثة: «سمير» و«مايا» بناحية و«عمر» و»مايا» من ناحية أخري، ثم تفضيل «مايا» الزواج من «سمير»، وعودة «عمر» للإقامة معهما تحت عيون السلطات الأمريكية، كل مشاهد هذه العلاقات الإنسانية في ملعب السينما الهندية تماما حيث تمتزج فكرتا الحب والصداقة، ومع هذا الخط يدخل خط تشويقي جيد سواء بمتابعة «روشان» لنتائج اكتشاف التاريخ الإرهابي ل«سمير»، أو لتأرجح «عمر» بين الشك واليقين من تورط صديقه مع الإرهابيين .يقول فيلم «نيويورك». إن غياب العدالة هو سبب الإرهاب سواء علي مستوي الدول أو الأفراد.. ولكنه يقول أيضًا إن أمريكا ما زالت وطن المهاجرين بدليل المحقق «روشان» القادم من آسيا، وهو وحده الذي يسند إليه الفيلم كلمة رعاية الجيل المقبل من أبناء المهاجرين.