كيف نتعامل مع تركيا؟ أعتقد أن هذا السؤال مطروح علينا نحن العرب منذ فترة ليست بالقصيرة.. وتحديدا منذ أن بدأت تركيا تقترب منا وتسعي لأن تلعب دوراً في منطقتنا وتدخل علي خطوط قضايانا، سواء بالوساطة بين سوريا وإسرائيل، أو بالاقتراب من بعض المنظمات الفلسطينية، ثم بابداء مواقف مؤيدة للحقوق الفلسطينية وناقدة لإسرائيل. في البدء كنا نفرق بين تركيا وإيران.. فقد كان الاقتراب التركي منا ومن منطقتنا لا يزعجنا مثل الاقتراب الايراني، رغم أننا كنا نعرف أن تركيا تجمع المزيد من الأوراق في يدها لكي تقوي موقفها الأوروبي أو تدعم رغبتها للانضمام للاتحاد الأوروبي.. كنا نشك في النوايا الايرانية تجاهنا، خاصة أن الايرانيين لعبوا دورا في تعميق الانقسامات العربية والفلسطينية، واستخدموا تنظيمات عربية لتخوض نيابة عنهم معاركهم، فضلا عن إصرارهم علي التدخل في شئون العديد من الدول العربية علي رأسها العراق. وعلي العكس فإننا أبدينا ترحيبا معلناً بالدور التركي في منطقتنا وكثفنا من مشاوراتنا معها، خاصة ابتداء من العدوان الاسرائيلي الوحشي علي غزة، وسعينا الي اشراك تركيا في بعض الاجتماعات التي دعونا اليها والتي كانت تناقش أوضاع غزة والاوضاع الفلسطينية بصفة عامة. بل إن بعضنا كان يعتقد أن وجود تركيا في منطقتنا يمكن أن يوازن الوجود الايراني، في ظل تنافس إقليمي واضح، ولكن غير معلن بين البلدين، ورغبة تركية للانفتاح علي الشرق العربي لا تلغي رغبتها للالتحاق بالركب الأوروبي. والآن.. بعد التباعد الدبلوماسي والسياسي التركي الاسرائيلي كنتيجة أولية ومباشرة لجريمة أسطول الحرية التي ارتكبها الاسرائيليون، ترتفع اصوات عديدة بيننا تثير الشكوك في النوايا التركية، وتتحدث عن هؤلاء الذين يسعون لتوسيع نطاق دورهم في منطقتنا علي حسابنا، وينبه هؤلاء الي ان الحكومة التركية رغم سقوط ضحايا من مواطنيها في جريمة أسطول الحرية فإنها لم تتخذ عمليا سوي إجراءين فقط، الأول استدعاء السفير التركي في إسرائيل للتشاور، والثاني هو تأجيل مناورات عسكرية.. بينما جوهر العلاقات الاستراتيجية والاقتصادية والامنية والعسكرية مع إسرائيل مازال قائما لم تمسه بعد الحكومة التركية. وبالطبع تكون من السذاجة أن نتصور أن تركيا تستخدم القضايا العربية اكثر من العرب أو أنها لن تهتم بمصالحها الخاصة وهي تدير علاقاتها في منطقتنا وحتي وهي تساند قضايانا.. ولا يمكن أن نطالب تركيا بذلك. ولكن من الخطأ أن نعامل تركيا كخصم، في وقت تحتاج فيه لمساندتنا لها بعد الجريمة الإسرائيلية ضد السفينة «مرمرة» في اسطول الحرية، وهو ما طالب به صراحة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان. الحوار والسعي للتفاهم مع تركيا ومحاولة تنسيق المواقف هو الأسلوب الامثل الآن في التعامل مع تركيا.. هذا الأسلوب هو الذي سيجعل الاتراك يتصرفون معنا بالطريقة التي تروق لنا، ويقتربون من قضايانا بالأسلوب الذي يخدمنا ويساند مواقفنا.. وفي هذا الاطار تأتي زيارة وزير الخارجية المصري أحمد أبوالغيط لأنقرة.