في جامعة أوتاوه، يحتفظ البروفيسور رسل ستيوارت بخزان من مياه البحر في داخله كتل صخرية ، الواحدة منها بحجم كرة القدم. وما يلفت الانتباه أن في كل منها مئات الثقوب الصغيرة التي تجعلها تبدو وكأنها جاءت من الفضاء الخارجي، مع أنها نشأت علي شاطئ كاليفورنيا، وفي داخلها ديدان تعرف باسم «دودة قلعة الرمل» أو phragmatopoma californica. وهي عمليا عبارة عن مجمّع مشترك تعيش فيه هذه الكائنات، وكل ثقب يشكّل مدخلا إلي نفق منفصل عن الأنفاق الأخري التي بنيت واحدا بعد آخر من قبل دودة بعد أخري. وهذه الديدان تتمتع بقدرة رائعة علي بناء هذه الأنفاق التي يشكّل كل منها ملجأ لا تغادره الدودة أبدا. وكل منها مبني من حبيبات الرمل وقطع صغيرة من الأصداف. وقد تم استخدام مادة صمغية لاصقة مع كل قطعة بعد وضعها في مكانها الصحيح. وكل هذا يجري داخل الماء. معروف أن الإنسان استطاع صنع مواد لاصقة غاية في القوة، إذ يمكن استخدامها في لصق الطائرات. ومع ذلك تعمل هذه الكائنات في لصق الأشياء ببعضها تحت الماء منذ ملايين السنين، وبشكل لم يتمكن الإنسان من بلوغه بعد. يعتبر الدكتور ستيوارت واحدا من الباحثين الأمريكيين الذين يعملون علي تطوير مواد لاصقة تعمل في الظروف الرطبة، مستفيدا من عمل ديدان قلعة الرمل وبلح البحر والمخلوقات البحرية الأخري. ويقوم الأسطول الأمريكي بتمويل هذه الأبحاث بقصد الحصول علي صمغ يعمل في الظروف الرطبة، والهدف الأهم هنا الجسم البشري الذي يبقي في حالة رطبة دائما. ومع أنه من المبكر إعلان نجاح الأبحاث في هذا الشأن، فإن العلماء الآن يقومون بتجريب المواد اللاصقة الجديدة علي عظام الحيوانات وأنسجتها الأخري، وهناك تفاؤل بنجاح هذه الجهود. يقول البروفيسور فيليب ميسرسميث من جامعة نورثوسترن إنه الآن يعمل علي تطوير مادة لاصقة، مستفيدا مما تنتجه كائنات بلح البحر، ويعمل علي تجريبها علي إصلاح تمزّقات الغشاء الداخلي للرحم. المواد اللاصقة المستخدمة في الجراحة حاليا هي من مادة السيانوكريليت أو من مواد أخري أكثر قوة، لكنها جميعا محدودة الفاعلية. وغالبا لا يمكن استخدامها في التمزقات التي يكون فيها الجلد مشدودا أو متمددا، أو يجب استخدامها مع الخيوط وغيرها. فحتي الآن لم يتم التوصل إلي اختراع مادة لاصقة لإصلاح الجلد في حالات التوتر أو العظام والأنسجة الداخلية الأخري من دون التعرض للرفض من جانب جهاز المناعة في الجسم. ويعتقد العلماء أن الطبيعة يمكن أن تعلّمهم كيف يتجنبون هذه المشكلة، من خلال التعرف مثلا علي المواد اللاصقة التي يستخدمها بلح البحر في لصق الحجارة والسطوح الأخري. وهدف العلماء ليس نسخ ما تقوم به الكائنات البحرية، بل تقليد عملها لإنتاج مادة مناسبة للبشر. ويقول الدكتور ستيوارت إنه بالإمكان التحكم بالعناصر المصنعة علي نمط ما تنتجه الديدان البحرية لنحصل علي مادة لاصقة تعالج التمزقات والكسور بسرعة يمكن التحكم بها وفق الحاجة. عن صحيفة «ذا نيويورك تايمز» الأمريكية