قناة تليفزيون مقاطعة أونتاريو الكندية TVO أذاعت حلقة خاصة من برنامج «الأجندة» بعنوان: «نقاد إسرائيل الجدد: يهود أمريكا الشمالية»، وهو برنامج إخباري ذائع الصيت يقدم في الساعة الثامنة من مساء كل يوم ماعدا السبت والأحد، استضافت حلقة الخميس الماضي أربعة من المتخصصين في الشئون الإسرائيلية في شمال أمريكا: 1 ديريك بنسلر، أستاذ جامعي متخصص في تاريخ إسرائيل وتاريخ الصهيونية بجامعة تورونتو، 2 جون ميرشايمر، أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو ومؤلف كتاب «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية»، 3 ديفيد فرام محرر مدونة frumforum.com وأحد محرري خطب الرئيس السابق جورج بوش، 4 ديفيد بينارت، مدرس العلوم السياسية بجامعة مدينة نيويورك وأحد المتحدثين باسم الصهيونية الليبرالية. لكل ضيف من الضيوف الأربعة رأي في الحكومة الإسرائيلية وموقف منها وتعليق علي أحداث غزة علي العملية الإجرامية التي ارتكبتها حكومة نتانياهو ضد سفينة الإغاثة التركية علي رأس أسطول الحرية يوم الاثنين الماضي. رصد الضيفان الأول والثاني التغير الهائل في الرأي العام الأمريكي تجاه مساندة إسرائيل في العشرين سنة الماضية، ورأي كل منهما أن شوكة المساندين للسياسات الإسرائيلية في أمريكا قد ضعفت بسبب العنف الواضح الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين من ناحية، وبسبب سيطرة السلفية الدينية اليهودية علي المجتمع والسياسة الإسرائيليين من ناحية أخري، اعتبر ديريك بنسلر أن التعصب الديني هو العدو الأول الذي تواجهه الدولة الإسرائيلية في الوقت الراهن، فيما رأي جون ميرشايمر أن إقامة دولة واحدة علي أرض فلسطين ليس الحل الأنسب للنزاع الإسرائيلي الفلسطيني لأن هذه الدولة محكوم عليها بالتحول لدولة تعصب عرقي (أبرتايد) وهو الأمر الذي لن يقبل به الرأي العام الأوروبي والأمريكي (وكأنه بذلك ينفي أو ينكر أن هذا التعصب قائم فعليًا ضد عرب إسرائيل وضد اليهود ذوي الأصول العربية من المواطنين الإسرائيليين). دافع ديفيد فرام عن جميع المواقف الإسرائيلية بلا تردد باسم الشرعية الحكومية وباسم سلسلة الأكاذيب التي ترددها الحكومة الإسرائيلية لتبرير فرض الحصار علي غزة وضرب السفينة التركية، عندما طلب منه مقدم البرنامج أن يعلق علي أحداث أسطول الحرية بدأ بالإشارة لحماس بدلاً من الكلام عن إسرائيل، كعادة المساندين للسياسات القمعية الصهيونية وبالاتساق مع سياسة «إلقاء اللوم علي الضحية» التي يتبعها هؤلاء في جميع المواقف التي تتجلي فيها الوحشية والغباء السياسي الإسرائيليين. ثم شرح فرام باختصار أحداث الاثنين الماضي مبررًا الموقف الإسرائيلي باعتباره موقف دفاع شرعي نتج عن استفزاز طاقم السفينة وتعديهم علي القوانين الإسرائيلية، في نفس السياق ذكر ديريك بنسلر أن إسرائيل تشعر بضرورة استمرار الحصار لأنها منذ ستة أشهر استطاعت منع سفينة أسلحة قادمة من إيران من التسلل لغزة. تحدث الضيف الرابع ديفيد بينارت عن الحصار مشيرًا إلي أنه كان مقبولاً في بداياته بهدف منع وصول الأسلحة لغزة، لكنه تحول سريعًا لنوع من العقاب الجماعي إذ إن كل شيء ممنوع من دخول المنطقة وليس فقط الأسلحة والخطأ الذي وقعت فيه إسرائيل هو أنها باتت تدافع بوحشية عن حصار لم يعد مقبولاً دوليًا، ثم أضاف أنه يتمني أن يتم تحقيق دولي مستقل بشأن عملية أسطول الحرية من خلال محكمة العدل الدولية لتبييض وجه إسرائيل باعتبارها دولة ديمقراطية، وقال إن الأهم ليست العملية الهجومية في ذاتها وإنما الظروف التي أدت لها، وهي ظروف الحصار الذي اعتبره حصارًا فاسدًا وغير أخلاقي فضلاً عن فشله الذريع سياسيًا. نفس الرأي دافع عنه بهدوء وثقة أكبر المتحدثين سنًا وأشدهم مكرًا، جون ميرشايمر، الذي أشار لقوة اللوبي الصهيوني في أمريكا والضغوط التي يمارسها دائمًا علي الحكومة الأمريكية لمنعها من التصريح بأي انتقاد حقيقي للسياسات الإسرائيلية الأمر الذي أدي لوقوع إسرائيل في سلسلة من الأخطاء الهائلة التي يدفع ثمنها اليهود الأمريكيون، خطاب ميرشايمر خطاب صهيوني معتدل، يتفق مع حق إسرائيل في الوجود وفي الدفاع عن نفسها ويبرر هذا الحق تبريرًا سياسيًا، لكنه يعارض اللجوء للعنف العسكري عندما يتم هذا العنف ضد أطراف أخري غير فلسطينية مما يفقد إسرائيل الفرصة في كسب التعاطف الدولي الذي يساعدها علي البقاء. الضيوف الأربعة علي اختلاف مواقفهم من الحكومة الإسرائيلية وعلي تنوع دوافعهم السياسية والأيديولوجية لا يختلفون علي ضرورة وجود الكيان الإسرائيلي، وعلي ضرورة مساندة اليهود الأمريكيين لإسرائيل، الضيوف الأربعة يمثلون اللوبي اليهودي في شمال أمريكا، يختلفون ويتحدون وينجحون فيما فشلنا نحن العرب فيه، تكوين جبهة. في الوقت الذي كنت أشاهد فيه حلقة »الأجندا« في كندا، كان صديقي الفنان التشكيلي المعروف خالد حافظ يتعرض في مصر للاضطهاد والابتزاز النفسي والإهانة والسب العلني بتهمة ساذجة ومثيرة للاشمئزاز تكشف عن خواء الأوساط الثقافية وغياب الحوار، تهمة تعرضت لها منذ شهور الشاعرة المتفردة إيمان مرسال وتصدت لها بمقال كان عنوانه »لا أعتذر عما لم أفعل«، تهمة جاهزة وخائبة في الوقت نفسه جوهرها فشل المثقفين في منع العلاقات الاقتصادية بين مصر وإسرائيل أو التأثير علي العلاقات السياسية بين البلدين.. التهمة هي »التطبيع«، والمؤسف أن يضطر الفنان للدفاع عن نفسه وعن فنه والتصريح بموقف سياسي واضح في هذا الجو الموبوء. ما يهمني رصده هنا هو تسيد الغوغائية والتخبط الأيديولوجي واستشراء روح التخوين والتآمر وتفوق الرأي العام الرخيص علي الفكر والحجة والبرهان.. والغريب أن هذا الرأي العام الجديد يتم تشكيله في مجالس النميمة والمنتديات العامرة بالفاشلين وأنصاف الموهوبين والمحبطين سياسيا لا لشيء إلا لتدمير الآخرين، خاصة لو كان للضحية حضور ساطع محليا ودوليا. نجح البعض في بناء جبهة، ليس علي طريقة اللوبي الصهيوني، ولكن علي طريقة غطيني وصوتي يامة! وكالعادة نجاحهم خيبة بجلاجل، تكشف أول ما تكشف عن فشل الرأي في تكوين رؤية. (يتبع)