فترة وتنزل فتوي إرضاع الكبير تحت الأرض مرة أخري بعدما أحياها الشيخ العبيكان، إلي أن يعيد أحياءها شيخ آخر. ليست الأزمة في إجازة المشايخ كشف المرأة ثدييها للغريب، فمبلغ العلم لن تقبل المسلمات إرضاع الأجنبي كفا للحرمة. وحسب الذوق السليم، لن يستقر العرف في مجتمع مدني علي فعل شاذ تفتقد فكرته اللياقة وحسن الأدب. الأزمة فيما تسرب للدين من بوابة السنة، فأدخل عقيدة المسلم في صراع دائم مع المنقول. والكارثة ليست في إجازة رجال الدين إطلاع المسلمة الأجنبي علي عورتها، درءا للحرام. لكن الوجع في رفضهم تنقية السنة النبوية، وما ثبت في كتب الحديث منسوباً إلي النبي (ص) بدعوي صحته، في الوقت الذي يصر فيه أهل الفقه علي وضع كل المنقول عنه «ص» في المرتبة الثانية للتشريع الإسلامي.. بعد كتاب الله. القرآن أصل ثابت، لكن السنة ليست كذلك. ومع كل أزمة بين العقل والنقل تعود التساؤلات حول أسباب عدم الاستجابة للمطالبات بإعادة إخضاع ما قيل إنه نسب للنبي للفحص من جديد. ليس تشكيكا في أقوال النبي، إنما حذرا مما نقل عنه دون يقين، وخوفا مما التصق بسيرته علي خلاف المعقول. دعوات بعض الدارسين المحدثين إلي تجنيب السنة النبوية في التشريع، مع الاحتكام فقط لكتاب الله.. كانت وجيهة. ففي المنسوب إلي النبي (ص) كثير مما يجافي المنطق، ويخالف أحكام كتاب الله. حديث إرضاع الكبير مثال. لدي الشيخ العبيكان صاحب المقام الديني الكبير في الجزيرة العربية، كما لدي معظم المشايخ.. الحديث صحيح. أخرجه الإمام البخاري في كتابه عن سالم مولي حذيفة وعن أم سلمة عن السيدة عائشة (رض). كتاب البخاري، رغم ضعف الكثير من رجال أسانيده، ومخالفة عدد من متونه المنطق لايزال هو الأصح بعد كتاب الله عند العبيكان، كما لدي الذين يدرسون ويدرسون كتب علوم الحديث بالجامعات الإسلامية. ربما يدعو التشبث ب«إرضاع الكبير» للتندر، لكن الاعتقاد في صحة كل ما نسب للنبي (ص)، هي دعوة لدخول «الخزعبلات» من بوابة الدين، لتتحول بعد فترة معلوماً منه بالضرورة. من السنة كثير مما يفسد الدين. وبالزمن، في ظل التمسك بأصول لم تكن أصولاً من الأساس، لن تنفصل العقيدة عن الدنيا فقط، إنما سينفصل الدين عن المنطق. وقتها سيظل رجال الدين في جانب.. بينما نحن في جانب آخر، بلا جسور تربط، ولا مساحات مشتركة.. ودون أي فرصة للالتقاء. بعضهم احتكر العقيدة، مع أن الدين للجميع!