عاد من جديد شبح الحروب ليلقي بظلاله القاتمة علي العالم ولكن هذه المرة ستراق الدماء من أجل قطرة المياه.. نعم فالماء هبة من عند الله لتعمر الأرض ويسقي الزرع ويشرب الإنسان ولتقام الحضارات؛ولكن هل تخيلت يوما ماذا سيحدث إذا جفت المياه من علي سطح الأرض؟هذه هي القضية التي يثيرها الصحفي البريطاني اليكسندر بيل في كتابه الجديد« ذروة المياه:الحضارة وأزمة المياه العالمية» كما يرصد الكتاب كيف أن ندرة المياه بات أمرا وشيك الحدوث يهدد حياة الإنسان . يوضح المؤلف في كتابه أن قطرة المياه هي مصدر الحياة علي الأرض وهي السبيل لقيام الحضارات بل وشكلت السيطرة علي مصادر المياه سياسات الكثير من الدول وغيرت وجه العالم وأثرت بدورها علي التقدم التكنولوجي والثورة الصناعية . ويشير الكتاب الي أنه منذ أكثر من ستة الآلاف عام كان السومريون هم أول من خاضوا تجربة السيطرة علي نطاق واسع من مياه نهري دجلة والفرات ، وهو ما أتاح الفرصة لاستغلال المياه في الزراعة وخصوبة الأرض وتخزين المياه للري في فترات الجفاف.ومنذ ذلك الحين وبات السيطرة علي المياه بمثابة شريان أساسي لقيام المدن ورمز للقوة والسلطة فالمياه قد تصنع ملوكاً وقد تطيح بإمبراطوريات . ويشير بيل إلي أن نقص المياه المتزايد الذي يشهده العالم الآن قد يزج به نحو حرب عالمية ثالثة إذا لم نكن بالفعل قد اقتربنا منها ؛ فكثيرا ما نشبت الحروب من أجل حقول النفط أو السيطرة علي الأرض ولكن باتت حياة الإنسان مهددة بحروب المياه القادمة. ويري الكاتب أن أزمة المياه باتت تضرب بقوة في مناطق متفرقة في العالم وأصبحت هي من بين أسباب الصراعات وتأزم العلاقات بين الدول مثل باكستان والهند وإسرائيل وفلسطين المحتلة.ويذكر بيل ان فكرة حرب المياه لم تعد مستغربة بعد فهي قد تحدث وحينها سيواجه العالم مستقبلاً غامضاً فستنهار الحضارات مع جفاف ينابيع المياه والأنهار. وتهدد التغيرات المناخية الآن حياة ملايين من البشر بالجفاف مع ذوبان الأنهار الجليدية وهو ما قد يجعل من خطر الفيضانات محدقاً يجتاح العالم بل ويصيب الشعوب بنقص دائم في المياه.وعمد بعض القادة السياسيين والحكومات علي تبني سياسة إقامة السدود لإظهار القوة والاستقلال. وفي إشارة من الكاتب إلي العواقب الناجمة عن أزمة المياه فيوضح انه إذا انخفضت موارد النفط بمرور الوقت فسيتراجع مستوي المعيشة،ولكن إذا جفت موارد المياه ولم تعد كافية للري مع تزايد نسبة السكان ومتطلبات الحياة فليس أمام الإنسان سوي الهجرة إلي مكان أخر بحثا عن المياه. ومع تسارع وتيرة التنمية الاقتصادية والزيادة السكانية في السنوات الأخيرة، فإن طلب المياه يتزايد سنة تلو الأخري . كما ان ظاهرة التغير المناخي التي سادت في الاوانة الأخيرة والارتفاع الملحوظ في درجات حرارة كوكب الأرض أدي إلي تبخر قوي للمياه ونقص حاد في إمدادات المياه السطحية. ويوضح المؤلف أن ندرة المياه ليست مشكلة معزولة بل هناك صلة وثيقة بين السياسة الداخلية والعلاقات الخارجية، فهي لا تقتصر علي تهديد البشرية بعدم حصولهم علي نقطة مياه نظيفة للشرب فقط، بل تمتد إلي تهديدهم بوقوع مجاعة حقيقية نتيجة لنقص المياه المستخدمة في الزراعة التي تمثل العمود الفقري لاقتصاد البلاد، والتي تمثل الركيزة الجوهرية التي تعتمد عليها خطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية..كما حذر بيل من أن العالم يجب أن يستعد ليستقبل لاجئين المياه الذين سيهاجرون من بلادهم بسبب نقص المياه وندرتها.