كتب : ديفيد ميلونيكس أصبح العالم المتقدم معتاداً علي التهديدات العالمية لأشكال العدوي الفيروسية المختلفة التي تبث الخوف في نفوس الأثرياء والفقراء علي السواء. ولقد تسببت أوبئة مثل مرض سارس وأنفلونزا الطيور، وأنفلونزا الخنازير، في تكبيد الاقتصاد العالمي ما يقدر بنحو مائتي مليار دولار. وهذه التهديدات كثيراً ما تنشأ علي نحو غير متوقع من اتصال البشر بالحيوانات. لكن أشد الناس فقراً هؤلاء الذين يعيشون علي أقل من دولارين أمريكيين في اليوم الواحد لا يحصلون في أغلب الأحيان علي ما يستحقون من اهتمام حين يهدد أي وباء بالانتشار. فهم لا يساهمون بأي قدرٍ ملموس في الاقتصاد العالمي، فضلاً عن ذلك فإن أنظمة الرعاية الصحية في بلدانهم تعمل بنسبة ضئيلة مما تخصصه البلدان المتقدمة اقتصادياً لتوفير الرعاية الصحية لسكانها. والواقع أن البلدان المتقدمة لا تنظر بعين الاهتمام إلي الأمراض في البلدان النامية إلا حين يتصل الأمر بثلاثة أمراض: الإيدز والسل والملاريا. وهذا يرجع إلي إدراك مفاده أن هذه الأمراض قد تهدد العالم المتقدم. ونتيجة لهذا فإن هذه الأمراض تتلقي كماً غير متناسب من الدعم المالي في مجالي البحوث والسيطرة، في حين تؤدي أمراض أخري إلي الوفاة، والعمي، والتشوه، والعجز بين أفراد "مليار القاع" غير القادرين علي الوصول إلي الرعاية الصحية. ويطلق علي الأمراض المعدية هذه "الأمراض المدارية المهملة". وهي أمراض غير مألوفة في بلدان العالم المتقدم، حتي إن أسماءها اللاتينية يصعب نطقها غالباً: مثل (مرض الفيل)، و(العمي النهري)، و(البلهارسيا)، وغيرها من الأمراض، خاصة تلك التي تسببها الديدان المعوية. إن مثل هذه الأمراض غير مألوفة بالنسبة للأشخاص المحظوظين الذين يعيشون في أغني بلدان العالم، ولكن أسماء هذه الأمراض معتادة بين أفراد الملايين من الأسر الفقيرة، والذين يصابون عادة بأكثر من عدوي واحدة. وهم يعيشون بهذه الأمراض طيلة حياتهم تقريباً بعد أن يصابوا بالعدوي في سن مبكرة في أغلب الأحوال. تكاليف العلاج السنوية التي أوصت بها منظمة الصحة العالمية تكون في كثيرٍ من الأحيان أقل من نصف دولار أمريكي للفرد، بل أقل كثيراً في آسيا، حيث يتم توصيل العلاج من خلال المجتمعات المحلية أو المدارس. والواقع أن الزيادة التي سجلتها معدلات العلاج كانت مذهلة في عام 2007 وحده تم علاج أكثر من 500 مليون شخص في 51 دولة من مرض الفيل، كما تم علاج ستين مليون شخص في 19 دولة من العمي النهري. والآن أصبح مرض غينيا متوطناً في أربع دول فقط، ولم يعد الجذام يمثل مشكلة إلا في ستة بلدان فقط. ويتمثل التحدي الرئيسي هنا في إقناع صناع القرار السياسي بأن الحد من الفقر لا ينبغي أن يشتمل علي التركيز علي ثلاثة أمراض فقط. إن المجتمع الدولي قادر علي تحقيق هذا الهدف بسهولة، وذلك لأننا نمتلك الأدوية الفعالة، وهي أدوية أو زهيدة الثمن، ولا يكلف توصيلها شيئاً يذكَر، وتشتمل علي منافع إضافية. والآن حان الوقت لإعادة النظر في استثماراتنا في مجال الصحة العامة، وأن نبادر إلي إعادة تقييم ما نحصل عليه من قيمة في مقابل الأموال الممنوحة، وأن نسارع إلي العمل من أجل التصدي للأمراض التي تجاهلناها إلي حدٍ كبير حتي الآن.