حذرت الأسبوع الماضي من الانشغال بأنفلونزا الخنازير ونسيان أنفلونزا الطيور؛ لأنها الخطر الحقيقي (الواقعي) المتربص بنا، لكن الجميع ظلوا مشغولين باللهاث خلف الخنازير للتخلص منها وقذفها بالطوب والحجارة ودفنها حية وإلقائها مذبوحة في الطرقات، وظلت الحكومة تطاردها، والإعلام يلهث وراء أخبار ذبحها وقتلها واغتيالها، حتي بعد أن خرجت مدير منظمة الصحة العالمية د. مارجريت تشان لتدعو إلي عدم التراخي في مراقبة ورصد فيروس H5N1 المسبب لمرض أنفلونزا الطيور في ظل الاهتمام العالمي بمرض أنفلونزا الخنازير، وقالت في كلمتها أمام قمة وزراء صحة دول مجموعة الأسيان إنه من غير المعروف الآثار المدمرة التي سيخلفها فيروس أنفلونزا الطيور حال تحوله إلي وباء، ولم تهتم وسائل إعلامنا المختلفة بالتحذير، ولم تنشره إلا جريدة "الدستور" يوم الأحد الماضي، وكأن الأمر لا يعنينا.. وفي اليوم التالي نشرت "المصري اليوم" - بمفردها أيضا - تقريرا خطيرا أصدرته وحدة الأبحاث الطبية الثالثة التابعة للبحرية الأمريكية "نامرو 3" يقول إن مصر هي أكثر دول العالم إصابة بفيروس أنفلونزا الطيور خارج قارة آسيا، وصحح التقرير معلومة كنت قد نشرتها العدد الماضي، حيث ذكر أن مصر تحتل المركز الثالث - وليس الأول - في نسب الإصابة بالمرض عالميا، بعد إندونيسيا التي تحتل المركز الأول وفيتنام التي تحتل المركز الثاني .. ولا أعرف هل تغيرت المراكز بعد الإعلان عن الإصابة رقم 70 في مصر أم لا؟! ورغم خطورة التحذيرات والتقارير الخاصة بأنفلونزا الطيور سواء في مصر أو العالم، لم ينتبه أحد، واستمرت الحكومة في خطتها النمطية التقليدية في محاربة مرض أنفلونزا الطيور الذي يواصل التقدم دون اعتراض؛ لأن الحكومة مازالت تعالج العَرَض ولا تقترب من المرض، بمعني أنها لم تتوجه بحملة حقيقية للناس حتي تقنعهم بضرورة التخلص من طيورهم. والأداء الباهت للحكومة في مواجهة أنفلونزا الطيور يجعلنا نضع أيدينا علي قلوبنا ونبتهل وندعو الله لينقذنا من الخطر المحتمل المسمي بأنفلونزا الخنازير؛ لأن أرقام المصابين التي تقفز كل يوم عالميا، وفي دول متقدمة جدا مثل أمريكا، وعدم وجود علاج للمرض حتي الآن، كل هذا يجعلنا مرعوبين من مجرد احتمال ظهور ولو حالة واحدة في مصر، وهذا يؤكد أننا في موقف عصيب جدا، وأن الحكومة أمام اختبار حقيقي نتيجته ستكون كارثية في حالة فشلها لا قدر الله؛ لأن مرض أنفلونزا الطيور توطن عندنا بالفعل وأصبح يعيش بيننا وكأنه صاحب بيت، والناس مازالت تجهل خطورته؛ لذلك يسقط كل يوم مصاب بالمرض، وتستقبل المستشفيات يوميا عشرات المشتبه في إصابتهم، والخوف الأكبر أن تظل الأمور معلقة حتي موسم هجرة الطيور - في فصلي الخريف والربيع من كل عام - فقد تأتي لنا الطيور المهاجرة بمصيبة فيروسية متحورة. وما يثير القلق أننا بدأنا نتراخي - رسميا وإعلاميا - في مواجهة العدو الحقيقي الذي يطارد أطفالنا قبل شيوخنا، والذي حقق قدرا مزعجا من النجاح في ظل التخبط الرسمي في مواجهته سواء علي المستوي الشعبي أو الحكومي، وأقول الشعبي لأن الناس لم تقتنع حتي الآن بكارثية المرض، خاصة هؤلاء الذين يخالطون الطيور ويطعمونها بالفم ولا يستطيعون مفارقتها أو التخلص منها لمجرد تحذيرات حكومية لا يثقون بها.. فقد جربوا الحكومة أكثر من مرة ولم تصدق معهم، والذين صدقوا الحكومة خسروا طيورهم ولم يحصلوا علي تعويض مناسب عنها؛ لذلك فهم يُخفون طيورهم وينكرونها حتي لا تأخذها الحكومة، وهؤلاء يشكلون خطرا حقيقيا لا يقل عن خطر الطائر أو الخنزير المصاب بالأنفلونزا؛ لأنهم يتحولون إلي وسيط مناسب لتحور الفيروس وتغوله، فإذا كان أحدهم مصابا مثلا بفيروس الأنفلونزا الموسمية العادي، وأصيب بعد ذلك بفيروس أنفلونزا الطيور، يمكن في هذه الحالة للفيروس أن يتحور، ويبدأ رحلة الانتقال الرهيب من البشر إلي البشر، تماما كالأنفلونزا العادية.. ولك أن تتخيل الكارثة التي يمكن أن تحدث لو لا قدر الله تم هذا التحول في ظل حكومة تغرق في "شبر مية" عندما تواجه أية كارثة! لقد حذر أكاديميون ومتخصصون من الوصول إلي هذه الدرجة الخطيرة؛ لأنها قد تأخذ في طريقها نصف سكان مصر، وقد كانت الحكومة غير قادرة علي مواجهة مرض أنفلونزا الطيور وهي متفرغة له لا يشغلها غيره، فما بالنا الآن وقد ظهر فجأة فيروس أنفلونزا الخنازير، وبدأ يحوم حول حدودنا محاولا التسلل إلي الداخل.. فهل نتصور أن تنجح الحكومة في إدارة الحرب علي جبهتين بعد أن فشلت في إثبات جدارتها علي جبهة واحدة؟! محاولة الإجابة علي السؤال السابق مرعبة؛ فسوابق الحكومة معنا لا تقول أبدا إنها تستطيع النجاح في ذلك، ونتمني وندعو الله أن تُخيب الحكومة ظننا هذه المرة، وتكون علي قدر المسئولية في مواجهة أزمة حقيقية تهدد مصر والمصريين. ولكن في وقت الأزمات والأوبئة لا ينبغي أن نلقي اللوم كله علي الحكومة وحدها، وعلينا أن نقوم نحن أيضا بدورنا لمساعدتها وتغطية جوانب القصور في أدائها، فالإعلام بكل صوره مهم وضروري وحاسم في مثل هذه الظروف، وتوعية الناس بخطورة الوضع مهمة وطنية .. لأننا نتعامل مع خطر حقيقي، قنبلة شديدة الانفجار علي وشك أن تبعثرنا في الفضاء وتقضي علي أكثر من نصفنا، ولو لم نتكاتف ونساعد بعضنا البعض سندفع كلنا الثمن فادحا، ولن ينفع وقتها الندم. إن الناس أهم من الحكومة في مواجهة الخطر المحدق بنا. علي كل واحد منا القيام بدوره المطلوب، وتوعية القريبين منه بضرورة التخلص من الطيور سواء بالذبح أو بتسليمها إلي الجهات المختصة للتعامل معها بشكل مناسب، وفي الوقت نفسه علينا توعية أنفسنا والقريبين منا بخطر محتمل أكبر اسمه أنفلونزا الخنازير، لو غفلنا عنه لحظة سيكون مثل طوفان يأخذ في وجهه الملايين.. ولابد من التكاتف الآن ونسيان أخطاء وخطايا الحكومة في حقنا حتي ينتهي هذا الكابوس .. إننا بذلك نحمي أنفسنا قبل أن نحمي أحدا آخر.