هل فكر كتّاب المسلسلات والمخرجون والمنتجون وأصحاب القنوات المنطلقة - هل فكروا فى وجدان المصريين؟ هل فكروا فى هؤلاء الرومانسيين العظام منذ آلاف السنين، الذين يؤمنون بالأمثال العامية (لاقينى ولا تغدينى) و(لقمة هنية تكفى مية) و(بصلة المحب خروف) و(جحر ديب يساع ميت حبيب).. هل فكر هؤلاء فى الزبائن الذين سوف يشترون بضائعهم.. تلك البضائع التى تستهدف أغلى ما فى البشر وهو الوجدان.. هل فكر هؤلاء فى السوق التى سوف يبيعون فيها والمشترى الذى يتهافت على بضائعهم؟ لا أعتقد ذلك.. إنهم فقط فكروا فى التسويق.. فى البيع ولكن لم يفكروا فى المستهلك الغلبان الذى يقضى النهار صائماً، ويقضى الليل فى جنون بعينيه وعقله أمام الجهاز الساحر فى يده الموجّه، ليجرى ويلهث خلف المحطات.. وتستهدفه الإعلانات باللف والدوران!! وجدان المصريين أصبح فى حالة شديدة الغرابة، فهو لم يعد صالحاً للاستعمال، فقد رومانسيته وفقد هدفه وأصبح عبداً لموجّه المحطات.. حتى الأطفال الرضّع المساكين، أصبحوا مثل الحيوانات فى أيدى أهاليهم، الذين كبلتهم المسلسلات وقيدت وجدانهم بالشاشة حتى أصبحوا يفتحون أكثر من تليفزيون ويلهثون من حجرة لحجرة خلف المسلسلات!! ويصبح الوجدان فى حالة تشتت، ويصبح هناك سباق شديد الغباء بين المتلقين، وهم يحاولون الجمع بين هذا الكم المخيف من المسلسلات والبرامج، التى تضرب بآيات القرآن عرض الحائط «ولا يغتب بعضكم بعضاً» والبرامج كلها تعتمد على النقد، الذى يتواصل مع النميمة.. هل دار بخلد أحد من جهابذة المنتجين طبيعة المستهلك الذى يقدم له هذه السلعة، التى يجب أن ترقى إلى اتقاء الله، تلك السلعة التى نقول عنها بالبلدى (اللعب فى الدماغ).. المحصلة النهائية مثلهم مثل تجار المبيدات، يروجون لبضائعهم واحنا مالنا ومال النتيجة!!.. إن الموت المعنوى عن طريق إهدار الوجدان، وتغييب العقول هو أقصر الطرق لإضعاف أى أمة فما بالك ونحن أمة فقدت صلاحيتها!! قال لى سائق سيارة: - سياسة إيه وانتخابات إيه؟.. أحمد زى الحاج أحمد.. أنا بس ألاقى لقمة العيش وأأكل العيال!! عن نفسى أصبحت سنى لا تسمح بهذا التشتت ولابد من المحافظة على لياقتى ليس من أجلى وإنما من أجل القارئ الذى ينتظر منى كلمة (ترمّه) أو تجعله فى مكان ثابت. أحياناً أتواصل مع همام، والذى أبرز عمر الحريرى فى دور والد همام رغم عبثية الموقف إلا أن عمر الحريرى فنان يعيش ليمثل لا يمثل ليعيش.. الجماعة تجعل وحيد حامد ينطلق فكرياً كعادته ليجمعنا حول تسلسل فكر الجماعة. ولكن تجىء أهمية العمل فى طرح تاريخ الجماعة على الشباب، بل لابد أن يعرف الشباب أن المعمار الإنسانى للجماعة كان مختلفاً تماماً، فقد حكى لى مولانا الشيخ الباقورى، رحمه الله، أنه تعرف على الجماعة حينما ذهب لحضور احتفال بالإسراء والمعراج، فرأى شاباً يخطب بالإنجليزية شارحاً معجزة الإسراء، وكان هذا الشاب هو الأستاذ محمد المعلم، صاحب الشروق، ووالد إبراهيم وعادل، الناشرين الآن، ثم قابل حسن البنا وأعجب بفكره فانتظم فى الجماعة. كانت الجماعة وقتها تنظر للإسلام نظرة الاهتمام بالانتشار وترجمة الأهداف مثل الإسراء وغيره، وحينما طلب الباقورى للوزارة فى بداية ثورة يوليو ذهب إليهم فى مكتب الإرشاد ليخبرهم ولكنهم رفضوا مبدأ الاشتراك فى الوزارة، فقدم استقالته لمكتب الإرشاد. أقصد بذلك أن رجالات الجماعة كانوا مختلفين تماماً فى طموحاتهم عن الآن، وربما لإفراز العصر حدث ذلك التغير.. لا أريد أن أحكم على الكيف للمسلسلات، لأنه ليس من المنصف الحكم على شىء لم أره جيداً، ولكن أرفض تماماً هذا التشتت الوجدانى الذى فعله المنتجون وهم مثل التاجر الذى وجد التجارة فى الدواجن رائجة فاشترى كل دواجن البلد. لم يدرس أحد حالة الوجدان وما يجب أن يقدم له وما يمكن أن يستوعبه.. لم ينظر أحد المنتجين إلى الناس نظرة مسؤولية، بل كل همهم بيع السلعة، وأحيى نور الشريف والمنتج محمد فوزى، لأن «الدالى» لم يعرض فى هذه السوق التى تشبه سوق الجمعة، ففيها كل شىء يحير المشترين ويشتتهم ولا يشبع حاجتهم.. وهكذا أصبح وجدان المصريين مستهدفاً بالتشتت فى الشهر الكريم. [email protected]