آمن الناقد الكبير الراحل محمود بقشيش بأن الإبداع الفني يتضمن موقفا نقديا، ويؤكد هذه البديهية ظهور موجات أسلوبية متنوعة، لا تولد من عدم، وكثيرا ما يظهر الناقد من خلال الجماعة الفنية أو يسبقها، فلم يكن معظم قادة الحركات الإبداعية إلا نقادا. كان هذا الرأي محور كتاب "تجليات في نقد الفنون التشكيلية" للفنان والناقد الكبير الراحل محمود بقشيش، الصادر عن المجلس الأعلي للثقافة هذا العام، دارت ندوة حزب التجمع التي حضرها كل من الفنان عبد الغفار شديد، والناقد حسن عثمان، وهدي يونس زوجة بقشيش، وأدارها الناقد أسامة عرابي. أشار عرابي إلي أن هذا الكتاب هو الخامس لبقشيش في سلسلة دراساته الرصينة بعد "البحث عن ملامح قومية"، "النحت المصري الحديث"، "نقد وإبداع"، "أطلال النوري ومدائنه"، "سيرة تشكيلية"، بالإضافة لمجموعة قصصية بعنوان "الموجه" أصدرها بالاشتراك مع الناقد والمخرج السينمائي سيد سعيد. أوضح عرابي أن: كتاب "تجليات في نقد الفنون التشكيلية" يتألف من قسمين، الأول يتضمن مقدمه كتبتها زوجته هدي يونس، التي جمعت مادة هذا الكتاب، تشير فيها إلي مقدمة المؤلف التي سبق نشرها في كتاب "نقد وإبداع" الصادر عن الدار المصرية اللبنانية عام 1997 لتؤكد علي المنحي ذاته، وزاوية النظر والرؤية التي حكمت في اختياره لهؤلاء الفنانين وأعمالهم. ويتابع: أما القسم الثاني من الكتاب فينطوي علي إبداعاته النقدية التي واكب بها حركة تطور الفن التشكيلي طوال عقد التسعينيات حتي سنة 2000 في مجلات "الهلال" و"أكتوبر" و"القاهرة" و"الثقافة الجديدة"، لكنها تملك من العمق ونفاد البصيرة والقدرة علي التأصيل النظري ما يمنحها الحياة والاستمرارية التاريخية وجدارة التفكير في الوعي المستقبلي، كما نلمسها في كتاباته عن فنانين كبار بالكتاب من بينهم بيكار وعبد العزيز درويش وفؤاد كامل وحامد ندا وحامد عبد الله ومحمد صبري وتحية حليم من الفنانين المصريين، وكاندنسكي وفازاريللي من الفنانين العالميين. وأكد عرابي أن: الكتاب يقدم تأملات حول الأعمال الفنية، وطاقة الإبداع فيها؛ لهذا لم يأت إخلاص الفنان والناقد محمود بقشيش علي حساب المغامرة الإبداعية للفنان، وما تنطوي عليه من خروج عن المألوف، وربط الخيال البصري في ضروب أخري تكمن في شفرته الخاصة والمستقلة، التي تتبدي عبر الكشف عن مستويات الجمال الكامنة في اللوحة، أو التي يمكن أن يعز بها العمل الفني. قال الناقد حسن عثمان أن: هذا الكتاب يفتح قضية كبيرة جدا عن علاقة الفن التشكيلي بالمجتمع التي يترتب عليها الإبداع نفسه، وأبواب النقد الفني في المجلات والجرائد والكتب. وأكد: محمود بقشيش يتميز بالثقل العميق، وأنه له منهج يسير عليه، ومحب للمعرفة سواء بالنسبة للمدارس الجديدة، أو التي تربي فيها كالتأثيرية وما بعدها، وهو مهما تحدث عن الجماليات أجد في النهاية جملتين يرجعاني إلي فكرته الأصلية، أن هذا العمل لابد أن يكون مفيدا وله تأثر ومكان وسط الفكر والثقافة المحلية، والمجموعة التي انتقاها في هذا الكتاب جميعها تتميز بشيء مشترك، وهو أنه يرجع كل عمل من أعمال الفنانين إلي الجذور المصرية سواء القديمة أو الإسلامية، حتي لو تناولها الفنانون بالتجريد أو غيرها من الأساليب الحديثة. وأشار د.عبدالغفار شديد إلي أن بقشيش قارئ ومطلع عظيم وراهب ومفكر، يهضم كل ما يراه ويسمعه سواء من الأساتذة أو الكتب، كان أيضا يحاول فهم الفن المصري القديم، ولوحاته بها اضاءات وكأنها تدفع المتلقي للبحث عن الحقيقة.