تحملتني مؤسسة «روزاليوسف» العريقة، فقبلت اعتذاري عن عدم كتابة مقالي الأسبوعي لعدة أسابيع، واعتذرت إلي السادة القراء بالنيابة عني، ونشرت الاعتذار، وكان ذلك بمناسبة ما ألم بي من امتحان واختبار شديد القسوة، لم يكن لأحد شأن أو دخل فيه، لكنها كانت إرادة الله ولا راد لقضائه. لكني تأملت مع نفسي دواعي وأسباب الاعتذار.. فالأسباب لا شأن لصحيفة «روزاليوسف» بها.. ولا لناس أن يتحملوني.. فما ذنبهم عن الغياب سواء كان مصحوبا بالصمت حزنا أو بالاعتذار حسنا.. ثم إن ما يصيب الإنسان من أمور شخصية لا تخص الناس.. ولا ذنب لهم فيها، فكيف يتحملون نتائجها، لهذا حاولت أن أخرج عن الصمت.. وعن حالة الاعتذار لأواجه نفسي بنفسي.. ومع الناس. أول المواجهة كانت تعبيرا عظيما وصادقا عن الامتنان بكل التقدير لمن تفضل علي بالمشاركة والاتصال الشخصي والمواساة والمساندة حضورا أو برقا أو مشاطرة وعزاء.. وغيرها من صور المشاركة الصادقة والوقوف إلي جواري في مصاب عظيم.. وكم تكشف صور هذا التعبير عن أصالة أبناء هذا الوطن العريق.. وعواطفهم الجياشة.. من جانب كل الناس ومنهم المسئولون علي كثرة مسئوليتهم.. وزحام مشاغلهم.. وكذلك الأصدقاء.. والزملاء.. والناس البسطاء في كل مكان. وبعد هذه المواجهة مع النفس كان علي أن أقاوم مشاعري وحزني.. فماذا أكتب أول ما أكتب؟ وفي أي موضوع أكتب؟!.. عن الشكر علي النعم.. أم أكتب عن الصبر عند الابتلاء.. والثانية أقوي وأصعب وأشد من الأولي.. لهذا كان الصبر علي الابتلاء أقوي قبولا.. وأعظم ثوابا، والناس تظن، مع وسوسة الشيطان، عند وقوع البلاء، أنه أقوي المصائب وأشد المحن وأعظم مكروه، وأنه لا شيء قبله ولا شيء بعده، وصولا إلي القنوط واليأس.. لكن الإيمان أن الناس لا تعلم الغيب «ولو علمتم الغيب لاخترتم الواقع».. ولم ير الناس ما هو أشد وأعظم. فإذا تأمل الإنسان حوله.. أو أحاط بمصائب الدنيا لاختار الواقع وحمد الله فمن المصائب والابتلاء ما هو أشد وأعظم.. فالدرجات تتعاظم وتتعدد مراتبها، والأقدار تتفاقم حتي ما خفي منها وكان في علم الغيب، وكما تتعدد صور الابتلاء والاختبار.. تتعدد صور الثواب والدرجات. حقا فالدنيا ليست علي حال واحد.. ففيها النعم.. وفيها المحن.. وفيها الأفراح.. وفيها الأحزان.. وأحوال المرء ليست في طريق واحد.. شأن الحياة، فيها الغناء والبكاء.. الفرح والحزن.. المرض والصحة.. الغني والفقر.. لأن بقاء الحال من المحال.. والمتضادات هي سمة الحياة.. شئنا أم أبينا.. رضينا أو غضبنا.. صبرنا أم ضقنا.. لهذا كان علينا القبول راضين صابرين.. راضين بالقضاء.. وصابرين علي الابتلاء.. بل أعلي منها صابرين وشاكرين.. واثقين أن الواقع أخف من الغيب وأهون علينا منه.. فكانت رحمة الله بنا واسعة لا يعلمها إلا هو.. ونستعيذ بالله من الشيطان لأنه للإنسان عدو مبين.. ولا نشكو بثنا وحزننا إلا إلي الله. وحتي لا ينشغل القارئ بما لا يخصه.. وحتي لا أجور علي حقه في مساحة هي ملك الرأي العام، وهو وحده صاحب الحق فيها.. اكتفي بهذه الكلمات التي تعبر عن فلسفة الخير والشر مع الحياة، ومنها ما ينفع الناس في هذه الحياة ويمكث في الأرض حتي لو كان تعبيرا عن لسان حالي.. الذي هو حال الناس جميعا.. وحال الحياة دوما.. لأعبر بنفسي.. واعتذر بلساني شاكرا.. حامدا.. راضيا بقضاء الله وقدره.. سائلا المولي العلي القدير صبرا وقوة.. وعزما.. أما من تحملوا عني المشقة أو القلق وبادروا بالمشاركة.. وطالبوني بالجلد والشجاعة والقوة.. فجزاهم الله عني خيرا.. لهذا كانت كلمتي اعتذارا واجباً.. أو واجب الاعتذار.. للجريدة وللقراء ولكل الناس أجمعين.