كتبت أكثر من مرة وطالبت أثناء مشاركتي في أكثر من برنامج (توك شو) علي القنوات الفضائية بإلغاء حصة الدين علي اعتبار أننا نحتاج لكتاب للتربية الوطنية أو القومية من اجل ترسيخ القيم والمبادئ المشتركة لدي الأطفال والشباب من تلاميذ المدارس. واعتبرت أنه يكفي أن تتولي المؤسسة الدينية ذلك الأمر لتتولي ضبط رسالتها الدينية. وخلال الأيام الماضية، جمعني لقاء طويل مع الصديق العزيز جداً لي أسامة سلامة ومع الباحث المحترم عبد الله الطحاوي.. حيث تناقشنا في الموضوع بشكل تفصيلي. ولقد أعترض عبد الله الطحاوي علي وجهة النظر السابقة، وهو اعتراض يستحق التوقف والتحليل، وبعد نقاش طويل توصلنا إلي أنه بغض النظر عن أن إلغاء حصة الدين هو تعبير عن مدنية الدولة وحيادها.. غير أننا يجب أن ندقق في السياق المصري لمثل هذا القرار.. لأننا لو قمنا بإلغاء حصة الدين من المدارس فسوف يترتب علي ذلك عدة إجراءات، منها: - إن الأسرة سوف تصبح أحد المصادر الرئيسية للتعليم الديني للتلاميذ خاصة في سنواتهم الأولي.. وهو ما يعني أن معرفة هؤلاء التلاميذ بأمور دينهم سوف تتوقف علي درجة وعي تلك الأسر ومعرفتها بصحيح الدين. وهو ما يعني أيضاً عدم وجود مساحات مشتركة أساسية للمعرفة الدينية لدي التلاميذ. - بعد أن يتجاوز الأطفال سنواتهم الأولي.. سوف تتسع دوائر التأثير فيهم دينياً تدريجياً سواء من خلال دعاة المساجد التي يترددون عليها، أو من خلال البرامج الدينية الفضائية التي يسمعونها، أو من خلال الدعاة الجدد الذين أصبحوا ظاهرة ملحوظة. إن ما سبق، يتوقف علي مدي الوعي لكل من: الأسرة أو إمام المسجد أو مقدمي البرامج الفضائية أو دعاة الستالايت وشيوخه. وإن الخلل فيما سبق يعني ببساطة ترك هؤلاء الأطفال والشباب إلي التيارات المتشددة والمتطرفة.. لتحولهم إلي قنابل موقوتة ليس فقط ضد مجتمعهم؛ بل وضد أنفسهم وضد دينهم. ويتبع ذلك أنه لا يمكن إلغاء حصة الدين بالمدارس لكي لا نراهن علي ما لا نضمنه. وما يمكن ضمانه هو كتاب الدين بالمدرسة لأنه يخضع لقواعد تربوية ومعايير دينية ترسخ لدي الأطفال أساسيات الدين وثوابته وعباداته. وهو ما يبقي معه طول عمره بعد ذلك، كما أنه أحد الضمانات لمعرفة الفرق بين صحيح الدين وبين تأويلات الدين لصالح هدف محدد أو لخدمة أغراض جماعة هنا أو هناك. إذن ما نحتاجه هو وجود منهج ديني عصري لا يتنازل عن الثوابت الدينية، ولكن في الوقت نفسه يشجع علي المشاركة والتفاعل الوطني من خلال قيم عليا ومبادئ مشتركة. وهو ما يتم تحت مظلة (المصرية) التي كانت أساسا بداية حديثنا ونهايته حول أهمية وجود حصة الدين واستمرارها بشكل متطور.