خسر خسارة فادحة، وفاته ما لا يمكن تداركه، من لم يقترب من الراحل العزيز محمود السعدني. محمود السعدني عملاق متفرد في طبعه، في فنه، في لغته، في صداقته، في رفضه، في قبوله للأشخاص والأشياء، ابتكر لغته الخاصة التي تواصل بها مع الناس كلاما وكتابة في نقد الرياضة، في الفن، في السياسة، في أدب الرحلات، في أحاديث المنتديات. محمود السعدني أفضل من استمعت اليه، ومن حدثني، من جلست في صحبته، ومن أكلت من طعامه، كل ماتعلق بمحمود السعدني له مذاق خاص تحتار في وصفه لكنك ترتاح اليه ، من عرف محمود السعدني عرف أدب المؤاكلة والمؤانسة والمجالسة، عرف واحدا من أهم المتحدثين العظام الذين لا يشق لهم غبار. محمود السعدني النموذج المثالي لابن البلد المصري لاتكاد تجد صفة من صفاته لا تحبها لنفسك ، طيب القلب حسن العشرة رقيق الحاشية ، يفرز الكذب من الصدق ، يفر المنافقون من مجالسه ، لديه مكبر للخير ، يتجاهل الشر ويحتقره . فلسفته عميقة ، ذات مرة شكوت له من شخص آلمني بشدة ، قال لي مادمت تفعل الصواب احتقره بالتجاهل فالاهتمام به يغذيه ويقويه ويجعله طاغية. وقتها لأنني أحبه وأحترمه أخذت بنصيحته علي مضض رغم انني اعتبرت ذلك نوعا من السلبية أو التهرب من المساندة والمؤازرة ، لكن سرعان ما تبينت الحقيقة فيما قال محمود السعدني بقي الخير وذهب الشر . من وقتها لا ألتفت كثيرا لمن يري الكون كئيبا ومملا، فالحياة تستحق أن نعيشها بكل ما فيها كما خلقها الله سبحانه وتلك قمة الايمان وما هو مطلوب من الانسان. محمود السعدني قيمة في عالم الانسان قالت عنه الموسوعة الحرة: محمود السعدني (28 فبراير 1982، 4 مايو 2010) صحفي وكاتب مصري ساخر من رواد الكتابة الساخرة في الصحافة العربية، شارك في تحرير وتأسيس عدد كبير من الصحف والمجلات العربية في مصر وخارجها، ترأس تحرير مجلة صباح الخير المصرية في الستينيات كما شارك في الحياة السياسية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر وسجن في عهد الرئيس أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في أحداث 15 مايو 1971 أو ما عرف بقضية مراكز القوي. عن هذا الجزء من سيرته سألته، قال لي محمود السعدني بطريقته الساخرة المميزة في روايته عن قصة دخوله السجن أنه بطبعه لا يصلح لمهمة التآمر علي الرؤساء ولا الخفراء وأن أقصي ما يمكنه التآمر عليه هو دكر بط أو فخدة ضاني يبعثها للست أم أكرم في البيت تعمل عليها فتة. أضاف أنه يحب الحرية زي الطيور علي رأي عمنا عبدالوهاب - يقصد الفنان الكبير محمد عبدالوهاب - كل ما في الموضوع أنه كان يخشي دخول السجن مع أصدقائه من شلة المناضلين فقرر أن يصاحب وزير الداخلية حتي لا يدخل السجن - كان يقصد بوزير الداخلية السيد شعراوي جمعة - وكان رأيه مش معقول يبقي صاحب وزير الداخلية ويدخل السجن يقول السعدني: ولكن لحظي الهباب دخلت أنا ووزير الداخلية السجن في يوم واحد، شفت بقي نحس أكبر من كده. تضيف الموسوعة الحرة أن محمود السعدني ولد في منطقة الجيزة. وعمل في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة عمل بعدها في مجلة "الكشكول" التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتي إغلاقها. ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد وعمل أيضاً في دار الهلال كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة. حينما قامت الثورة في يوليو 1952 أيد محمود السعدني الثورة، وعمل بعد الثورة في جريدة الجمهورية التي أصدرها مجلس قيادة الثورة وكان رئيس مجلس إدارتها أنور السادات ورئيس تحريرها كامل الشناوي. ثم بعد تولي السادات منصب رئاسة البرلمان المصري، تم الاستغناء عن خدمات محمود السعدني من جريدة الثورة أسوة بالعديد من زملائه ومنهم بيرم التونسي وعبدالرحمن الخميسي. عمل بعد ذلك في مجلة روزاليوسف الأسبوعية مديرا للتحرير عندما كان إحسان عبدالقدوس رئيسا للتحرير وكانت روز اليوسف حينها لا تزال مجلة خاصة تملكها فاطمة اليوسف والدة إحسان. أثناء زيارة صحفية إلي سوريا قبيل الوحدة بين البلدين، طلب أحد أعضاء الحزب الشيوعي السوري من محمود السعدني توصيل رسالة مغلقة للرئيس جمال عبد الناصر فقام بتسليمها لأنور السادات دون أن يعلم محتواها. وكان في الرسالة تهديد لعبد الناصر، لذا تم إلقاء القبض عليه وسجن ما يقارب العامين أفرج عنه بعدها، وعاد يعمل في روزاليوسف بعد تأميم الصحافة وتولي رئاسة تحرير مجلة صباح الخير. تضيف الموسوعة الحرة عن محمود السعدني أنه أصدر وترأس تحرير مجلة 23 يوليو في منفاه في لندن، عاد إلي مصر من منفاه الاختياري سنة 1982 بعد اغتيال السادات، واستقبله الرئيس مبارك ورحب به بين أهله في وطنه ، كانت له علاقات وطيدة بكل الحكام العرب الذين اعجبوا بأسلوبه المتفرد في الكتابة والحديث، وحرصوا علي استقباله باستمرار ليثري منتدياتهم الفكرية والثقافية. في سنة 2006 اشتد المرض علي عمي وعم عموم مصر كلها محمود السعدني فاعتزل مجلسه اليومي في النادي النهري للصحفيين بالجيزة، ثم اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة ثم الحياة كلها ليترك فراغا هائلا لا يملؤه غير السيرة الجميلة والتراث الصحفي غير القابل للتكرار. شكرا للعم محمود السعدني لأننا عشنا زمنك، ستبقي في قلوبنا.