رغم التزايد الهائل لكم الأعمال المتوفرة علي الإنترنت وسهولة الوصول إليها، ما زال الكثير من القيود القانونية يحد من إمكانية إعادة استخدام ( توزيع، اقتباس، تعديل، تطوير ...الخ) نسبة كبيرة جداً من هذه الأعمال، وهذه القيود مفيدة لحفظ الحقوق المعنوية والمادية للمؤلفين ومن في حكمهم، لكن إشكالات القوانين المتشددة في حماية حقوق الملكية الفكرية وعدم إمكانية تطبيق الكثير منها علي الإنترنت، بالإضافة إلي رغبة الكثيرين ببناء مجتمع معرفي تشاركي قائم علي العمل الجماعي، أدي إلي نشوء حركة الثقافة الحرة (Free Culture) والتي تهدف إلي دعم الحرية في توزيع وتعديل الأعمال الإبداعية من: أدب وفن وبرمجيات وغيرها باستخدام الإنترنت بالإضافة إلي وسائل الإعلام التقليدية. ومع تنامي هذا التوجه، كان لا بد من انشاء نظام قانوني يحدد ما هو ملك للمؤلف وما هو ملك للمجتمع ويرسم شكلاً للعلاقات القائمة بين العمل وجمهوره. وهذا ما دفع نخبة من المحامين والأكاديميين والتقنيين في الولاياتالمتحدة وعلي رأسهم البروفيسور (لورانس ليسيغ) من كلية الحقوق في جامعة هارفرد إلي إنشاء منظمة "المشاع الإبداعي" في عام 2001، محاولين من خلالها خلق بيئة سليمة في الإنترنت تتيح للجميع أن يبتكروا ويجددوا ويبنوا علي منتجات وإبداعات الآخرين الفكرية . المشاع الإبداعي: المشاع الإبداعي او ال (Creative Commons) هي منظمة غير ربحية تهدف إلي زيادة ودعم الأعمال الإبداعية التي يمكن إعادة استخدامها ومشاركتها بشكل حر وقانوني (Remix Legaly). وقد نشرت المنظمة مجموعة من التراخيص القانونية. وهذه التراخيص تتيح للمؤلف توضيح ما يرغب بالاحتفاظ به من حقوق، وما هي إمكانيات الآخرين لإعادة استغلال عمله وتطويره. تعد منظمة المشاع الإبداعي (Creative Commons) من أبرز المدافعين عن مفهوم الثقافة الحرة والتي تسعي لبناء عموميات أغني (نقصد هنا بعموميات الأعمال الإبداعية كالنصوص والصور واللوحات والموسيقي المتوفرة لعامة المجتمع بشكل حر يمكّن الآخرين من الاستفادة منها بشكل أوسع ) وذلك من خلال تقديم بديل للحماية الكاملة لجميع حقوق المؤلف، وتحويلها إلي حماية بعض من حقوق المؤلف (كضرورة ارتباط اسم العمل بصاحبه، وإمكانية حصر المردود المادي به) تاركة له إمكانية ترك بعض من الحقوق الأخري (كالسماح للآخرين بإعادة النشر، وبناء أعمال مشتقة من العمل الأصلي).هذا النوع من التراخيص متلائم أكثر مع طبيعة الإنترنت، فهو يستجيب للتطورات والتحديات القانونية ويخلق التوازن المطلوب بين حماية حقوق المؤلفين وبين إعطاء الفرصة لنمو الإنسانية وتطورها عن طريق الاستفادة من الإبداعات والمؤلفات الموجودة علي شبكة الإنترنت. إن أحد أهم أهداف المنظمة يكمن في مساعدة الباحثين وتسهيل إمكانية أن يحددوا فيما إذا كان العمل داخلاً في الملك العام أم لا، وتطوير آليات من شأنها أن تسمح للمؤلفين بوضع إشارة معينة علي الأعمال والمؤلفات الرقمية بما يساعد الباحثين في الإنترنت علي التعرف واسترجاع الأعمال الموضوعة فيها. فقد يرغب أصحاب الأعمال (المؤلفين) بوضع أعمالهم علي الإنترنت متنازلين عن بعض حقوقهم مقابل التزام المستخدمين لهذه الأعمال بشروط الرخص الممنوحة من قبل المؤلفين. مبادرات: وقد أطلقت المنظمة مشاريع متعددة منها مشروع الرخص (Licensing project) ومشروع المشاع الدولي (International Commons) ومشروع المشاع العلمي (Science commons)، ومشروع المشاع التعليمي (ccLearn) ومشروع المشاع الموسيقي (ccMixter). فمشروع الرخص يسمح للمؤلف أن يختار ما يناسبه من رخصة حسب العمل الذي قام بتأليفه، فقد يختار رخصة نسبة العمل لصاحبه (Attribution)التي تسمح للآخرين بان يقوموا باستخدام أعماله بشرط أن يذكروا صاحبها، والرخصة غير التجارية (Non-commercial) التي تسمح للآخرين باستخدام أعمال المؤلف بشكل شخصي دون إمكانية بيعه من دون إذن صاحبه، ورخصة عدم الاشتقاق (Non-Derivative) التي تسمح للآخرين باستخدام العمل من دون أن يكون بالإمكان تعديله أو إنشاء أعمال فرعية مشتقة منه. أما مشروع المشاع العلمي (Science Commons) فهو يهدف إلي وضع استراتيجيات وأدوات لتسهيل وتسريع عملية البحث العلمي عبر شبكة الإنترنت. يقوم المشروع بالعمل علي إزالة العوائق التي من شأنها أن تحول دون تطوير تقنيات مساعدة لتبادل الأبحاث العلمية وتطويرها بين المختصين. تم اعتماد مشروع المشاع الإبداعي في أكثر من خمسين دولة من دول العالم، أما في الوطن العربي فقد كانت الأردن أول من تبنت عملية تعريب وإدخال الرخص في عام 2002 إلي النظام القانوني المعمول به في الأردن وايضا مصر. وقدتم الإطلاق الرسمي للمشروع في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2009 وبالتالي فإن الحصول علي تصريح المشاع الابداعي بعد اختيار الشريحة المناسبة سيزيد من انتاجية المحتوي العربي علي الانترنت لاسيما أن تطور شبكة الإنترنت واستمرارية التجديد والابتكار مقيدان ومقرونان بخصوبة الملك العام ومرونة قوانين الملكية الفكرية وحرية الأفراد، فكلما كانت الحريات أكبر وكانت القوانين أقل تشدداً كلما نشأت ابتكارات جديدة، فكيف للإبداع أن ينمو في المجتمع إذا لم يمنح المبدعون المرونة الكافية التي تجعلهم يبنون علي ما هو موجود في شبكة الإنترنت؟.إن منح الحرية علي الإنترنت له نتائج مذهلة علي تطورها وتقدمها. فمن المعروف أن إعادة اختراع العجلة مضيعة للوقت وأن تطور المجتمعات مرتبط بشدة بحجم علاقات التعاون الناشئة بين أفرادها، وهذا أهم ما نحتاجه حالياً في عالمنا العربي. لمزيد من المعلومات يمكنك الدخول علي : www.creativecommons.org/www.free-culture.cc